رأي

عبد الله إسماعيل | يكتب : ألتراس و 300 عسكرطي

10563030_10205833401333152_5671120041033815873_n

الحديث عن كرة القدم ما أجمله حين يتملّك منك عشق تلك الساحرة المستديرة , وتلك الروح العالية و المنافسة الشريفة , انها الكرة التي تتلقفها الأقدام لتراقبها أعين الآلاف من الجماهير داخل الاستاد , و الملايين منهم أمام شاشات التلفاز , يستمتعون بالمشاهدة في هدوء , أو ربما بتفاعل و تشجيع حماسي , أو حتى بانفعال و هرج و تعصب أعمى , في سلسلة مستمرة من المباريات و حماس متتابع حتى تضع البطولات أوزارها و تفتح خزنة المنصة ما فيها من كؤوس و دروع و ميداليات و أموال , يحصد بها أصحاب المراكز الأولى الفرحة لفريقهم و جماهيرهم التي دعمتهم و زحفت خلفهم في كل محطات المنافسة .
.
و بمجرّد انتقال العدسة إلى كرة القدم المحلية – أستغفر الله العظيم – أنا آسف , فالموضوع يحتاج إلى كراتين من الليمون , أتصور من يهز رأسه متأسفا حين تحوّل السياق للحديث عن كرة القدم في مصر , و كأني أرى من تزُمّ شفتيها ممتعضة بسبب المباراة المأساوية الأخيرة بين فريقي الزمالك و إنبي , و الكل يدرك ما حدث فيها خصوصا بعد مرور أيام على انتهاء المأساة , و بناءا على ذلك فلن اقص الحادثة بمضمون خبري , بل بأسلوب هزلي يليق بهذا الهزل و العبث الذي عايشناه , لعله يواسي هذا الحزن القابع على صدورنا بقليل من السخرية من واقعنا الأليم , و لعل الحساب ينال من كل من كان طرفا مسئولا عن تنظيم هذا اللقاء الرياضي الدموي .
.
من الأهمية إدراك أن توجيه اللوم لمسؤولي الأمن الذين كانت مهمتهم تأمين دخول و خروج الجماهير بعد غياب طويل عن مباريات الدوري المحلي تقتضي محاسبة المخطيء , فكما يقبل الإعلاميون العقوبات الواقعة على زملائهم في المهنة بعقوبات تفرضها مواثيق و قوانين المهنة و قوانين القضاء , كذلك ضبّاط الأمن الذين رسموا هذه الخطة الأمنية يجب محاسبتهم هم و كل من كان له يد في هذه الحرب !
.
نعم إنها حرب و ليست مباراة كرة قدم , فكأني أرى مشهد تكرر منذ 480 سنة قبل الميلاد حين قامت فرقة الأمن المحيطة باستاد الدفاع الجوي (العسكرطية و ليس الإسبرطية) بحبس الجماهير (الألتراس و ليس الفرس) في حشود هائلة وحتى الساعة الخامسة , ولم يسمحوا لهم بالدخول قبل ذلك , صانعة لهم هذا الممر الضيق و القفص الحديدي (البوابات الساخنة) التي لا يعبر منها شخصان على أحسن تقدير , بشكل درامي يشبه ما حدث في معركة ال 300 عسكرطي من الإغريق , ضد جماهير الألتراس من الفرس , و التي حالت دون مرور جيش الفرس إلى بلاد الإغريق دون تكبّد خسائر فادحة .
.
في المعركة المؤرخة انتهت بعد حصار استمر لأيام قبل أن يمر الفرس على جثث ال 300 اسبرطي ومن عاونهم , وفي آخر مباراة سالت فيها دماء 22 مشجّع كل ذنبهم أنهم وقفوا في طوابير مكتظّة خلف شباب مندفع تخطّى الحواجز الحديدية التي أقامها الأمن , وتحت حصار الآلاف من الجماهير المنتظرة دورها في الخلف , و الأسلاك الشائكة و قفص الحديد من الأمام , و الأسوار من الجانبين , سقطت عليهم قنابل الغاز , ليموتوا مخنوقين مذعورين مدهوسين . وكما خان الأحدب (افيالتس) شعبه من الإغريق , خان رئيس النادي (مرتضى منصور) كل من الأمن و جماهير الزمالك على حد سواء بشراء التذاكر و توزيعها على مجموعته فكانت سببا من ضمن الأسباب الكارثية التي نتجت عنها مذبحة استاد الدفاع الجوي ! لسنا نعيش في زمن ما قبل الميلاد , و لا عساكر الأمن هي جيش الإغريق ال300 و ملكهم ليونيداس , و لا جماهير الزمالك هي جيوش الفرس , و لا رئيس النادي البذيء اللسان يصلح رئيسا لمقلب قمامة , فما بالك بنادٍ عريق مثل الزمالك , فلماذا التساهل بأرواح الناس في هذا البلد , و لماذا رخص الدماء حتى قاربت أن تكون مجانية ؟ اللهم لطفك

مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر صاحبها ولا تعبر بالضرورة عن الشرقية توداي

زر الذهاب إلى الأعلى