رأي

عبد الله إسماعيل | يكتب : متلازمة التحرش

عبد الله إسماعيل‏

أحاول أن أتصور كيف كان البدائيون من الرجال يتوددون إلى النساء قديما في العصر الحجري و زمن ما قبل اختراع النسيج أو قل ذلك الحبل الرفيع الذي يربط جلدتي الماشية حول منطقتي الصدر و الخصر. و أحاول أن أكبح جماح مخيلتي التي تهيّئ لي ما حدث بالتحديد من جرائم السابقين الأولين من المتحرشين حتى تدرك المرأة البدائية ماهي الأشياء التي تلفت إليها نظر الرجل ثم تقودها فطرتها لتسترها, بالتأكيد تجاوز هؤلاء الرجال كثيرا في حق المرأة قبل أن يخترع أحدهم صنعة لبوس لهن (جمع لبس و هي الملابس و ليست الأقماع الطبية كما هو مشاع في العامية). و بلا ريب فقد بلغ السيل القفى قبل أن تظهر علاقة مقننة تنظم تزاوج الإنسان في ذلك الوقت الصعب و تشفي قليلا من متلازمة التحرش من الرجل.

لا أدري أي هاجس يميل إلى الإسفاف جعلني ألتفت لمثل هذه الأيام المنزوع عنها الحياء, تصوروا معي كم البذاءات التي كانت تقترف و الصراعات بين الرجال و بعضهم البعض ليحصل أحدهم بعد تصفية منافسه على حق الإختلاء بإحداهن في كهف صخري مظلم؟ و أي ابتزاز لحقوق المرأة كان يحدث حينها؟ يالتعاستها وسوء حظها ؛ فلم تكن لتفاضل بين الأوسم أو الأغنى أو الأسمر أو الأبيض, بل ذلك الجِلْف الغليظ الفحل الصنديد هو سعيد الحظ الذي يظفر بها في النهاية.

في المقابل فإن المرأة بالتأكيد لم تكن قد تعرّفت بعد على المساحيق, وأرى و أغلب الظن صحيح أن هذه النقطة كانت إيجابية وفي صالحها, ففي ظل عدم قص الرجال لشعرهم فهم يشبهونها كثيرا إلا فيما يتميز به الرجل من شنب و لحية, مما يعطيها فرصة للنجاة من براثن الكائنات المهيجة و المنقبة عن الجنس ويمكنها من عدم الظهور في رادارات الرجال المتحرشين.

على مر العصور كانت و لا زالت المرأة في نظر الكثيرين من الرجال عبارة عن أجزاء مادية يحق لهم تملكها, وذلك ما يُعرف بالتشيؤ و هو مفهوم انسانى يعبر عن مدى توغل المادية فى الفكر تجاه أشخاص يظن أحدهم انهم مجرد أشياء يمتلكها .

لا ألقي باللوم السائد و التهم الجُزاف على المرأة في لبسها أو جمالها, ولكن التهمة التي أوجهها لها أنها استسلمت للصورة الذهنية المعممة عنها فيما يتعلق بضعفها البدني و الجسماني أمام خشونة و قوة عضلات الرجل, و كان عليها أن تحتذي حذو النساء اللاتي يتميزن بالعنف و الشدّة و أن تعظّم من وجودهن على قلة أعدادهن, لا أن تسخر مما أوتين من قوة ربما كانت من الممكن أن تغير موازين العلاقة وواقع هذه الصورة الذهنية السيئة, و كذلك يجب أن ترفض وصاية الرجل و حمايته الأزليه عليها, فالأسلحة من الاختراعات التي لا غنى للانسان عنها, فلا بأس أن تقوم مقام الرجال في دور الحماية, فلو تم تفعيل منظومة دفاع الأنثى عن نفسها عبر العصور لما وصلت لهذه الحال التي تجعلها تذعر من كل ظل ينعكس أمامها و كل صوت يطرق في سمعها و تطلب من الرجل ( أب, زوج, أخ,ابن ) مرافقتها كحارس على الدوام .

أذكر مرة في إحدى المحاضرات الأدبية تطرق فيها أحدهم إلى السياسة و أكد أن الأوطان لا تحصل على حريتها أبدا بدون دفاع أبنائها عنها. و كذلك أنتِ أيتها المرأة القديرة, عليكِ خوض تجربة الدفاع عن نفسكِ بنفسكِ حتى تتحرري من نزعة الخوف التي تصاحبكِ أثناء نزولكِ للشارع أو حتى حين مكوثكِ في المنزل, و يا للخوف أن تستمتر بعد عمركِ الطويل, وتلازمكِ حين نزولكِ للقبر.

الآراء المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها ولا تعبر بالضرورة عن رأى الشرقية توداى 

زر الذهاب إلى الأعلى