رأي

عبد الله إسماعيل | يكتب : محصلة الثورة [2]

10933996_10205658353637069_4140189894830064319_n
حريٌّ بي أن أوجّه خطابي إلى شباب الثورة بعينهم و أستخدم الأسلوب المباشر في تصنيفهم فهُم السابقون الأولون من الشباب الذي غامر بالنزول في تاريخ 25 يناير 2011 بعيدا عن رافعي الشعارات الإسلامية و على رأسهم الإخوان بسبب تجربتهم الفاشلة , وكذلك بعيدا عن مؤيدي الحكم العسكري المتوالي منذ 1952 , متمنيا أن يكون مقالي هذا هو الأخير في نطاق السياسة حتى إشعار آخر , فالتفرغ للكتابة في الشأن السياسي حاليا و في ظل موات الحياة السياسية في مصر يدعو إلى الغُمّة التي تقود بدورها إلى التبلّد الذهني و الكساد المعرفي مما يؤدي بك في النهاية إلى مكانين لا ثالث لهما ؛ إما المعتقل أو مستشفى الأمراض النفسية .
.
كما وعدت في المقال الماضي بتقديم الرؤية و النصح لشباب الثورة بصفتي أحد المشاركين معهم و المنظمين لمسيرات شباب الإعلاميين التي نادينا فيها بتطهير الإعلام و إنشاء نقابة حرة للإعلام , وقبل أن أستطرد في نقاط هامة من وجهة نظري المتواضعة , فإن السبب الرئيسي فيما نعاني منه من رجعية و حالة شلل تنموي في جميع المجالات هو كوننا نقع ضمن دول تم احتلالها بداعي الاستعمار الأجنبي , و لا أرى أن في تكاسل أجدادنا عن مواكبة الثورات الصناعية و التقدم الكبير في شتى المجالات بالدول الاستعمارية حينها سببا يكفي لتسمية الاحتلال استعمارا , و نهاية القول أنك لن تجد دولة قبعت تحت الاحتلال في تلك الفترة الحرجة من عمر الأمم في العصر الحديث واقفة الآن على قدميها بدون ان تتعثّر لتلحق بركب الدول المحتلة (الاستعمارية) في أي مجال كان اقتصاديا أو سياسيا أو غيرهما .
.
.
أولا : على شباب الثورة التخلّص من القوالب الجامدة التي اهترأت و مزقها الفشل المحيط بها سواء كان السبب ذاتيا أو خارجا عنه , و أول هذه القوالب هو التسمية التي ارتبطت بالثوّار , فلا أريد الإسراف في الخوض حول الفشل الذريع الذي أحاط بمفهوم الثورة و كم التهم الملاحقة للثوار , كيف لا و هم من أدانوا الفاسد مع المصلح و خوّنوا اللص مع الشريف , فإن كانت غايتهم إقامة دولة مدنية بعيدة عن طابع الحكم العسكري الذي يوطّد مقاليد حكمه بالقوة في حالة النجاح أو الفشل أيهما أيسر , أو يتمثّل في إقامة جمهورية ثانية تسود فيها حالة من العدل و المساواة و تعطي الثقة للكفاءات بعيدا عن الوساطة و النفوذ . فاختيار اسم يعكس الطموح للمرحلة الحديثة التي ينشدها شباب الثورة بعيدا عن التجربة التي أفشلها مضمون الثورة نفسه من الهدم ثم الاحلال و التشييد أفضل من الناحية الترويجية , فأي هدم قادم لن تتحمّله البلاد و لن يطيقه العباد لمجرّد الرغبة في الادّعاء أن مجموعة شريفة من الشباب الثائر يحمل على عاتقه تحقيق نجاحات ملموسة فشلت الحكومة القائمة في توفيرها . و لذلك يجب البدء بجانب الإصلاح الذاتي و سلك الطريق الطويل و الوعر و هو التغيير الذي يبدأ من النفس ثم ينتقل لدعوة الآخر بالحجة و العقل إلى التغيير (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) الآية , و للأسف هو مالم يلتفت له هذا الشباب الذي يحمل عبء و هموم الوطن على عاتقه و هو ما سنفصّله لاحقا.
.
ثانيا : بما أن الثورة تجربة إنسانية تقوم بها الشعوب للخروج من دائرة ضيقة إلى دائرة أوسع وهي قابلة للنجاح و التوسع أو الفشل و الإنحصار , فقد أورد التاريخ العديد من النماذج الثورية , و ما على الثائر إلا أن يستمد فكره و يستورده كما يستورد العربي الحياة الكاملة من الخارج من أول موضة القميص و البنطال الجينز و حتى الآلة التي يركبها أو يتواصل بها انتهاء إلى نوع السجائر التي ينفثها و الفيلم الذي يشاهده , فيجب عليهم استيراد باقي آليات ثورتهم , فأي نموذج ثوري ستجلبه إلى البلاد حتّى يقرر الناس بعدها إمّا إتّباعك أو منعك من الاستمرار ؟
.
ثالثا : هذه اللفتة تأخذ منحنى جاد أكثر أهمية من النقطتين الأولى و الثانية , فلا بد من توافر شروط محددة يتحقق على أثرها نجاح أي ثورة , كما يلي :
أ – فكر و تنظير ثابت و موجود في كتب و منشورات متداولة .
ب – جمهور من الناس يصل إليه الفكر عن طريق القراءة ثم الإيمان بالفكرة و حملها على العاتق و هنا تأتي مرحلة التجييش و الحشد.
ج – قادة بارزون واكبوا كتّاب الفكر أو استلهموا من كتبهم الفكر المنشود و روّجوه و توجوه بنشره و تفعيله في أرض الواقع .
.
هذه الشروط توافرت في أعظم ثورات العالم من حيث الانتشار و إحداث التغيير معا و ليس بإسقاط حكم و إحلال آخر فقط , فمع بدايات القرن الماضي استطاعت الثورة البلشفية تحت الفكر الماركسي و قيادة لينين و مساعده ستالين و بنزول أكثر من نصف مليون عامل و جندي إلى ساحة القصر في سانت بطرسبرج تمكنت من إسقاط الرأسمالية الإقطاعية و بناء أولى الدول ذات الحكم الاشتراكي .
و لنلاحظ و جود هذه العناصر لدى الإخوان المسلمين , فوجود الفكر التنظيمي و كتب حسن البنا و من درس على يديه أو جاء بعده , و وجود قادة مكتب الإرشاد المتواليين , و كذلك الحشد التنظيمي . هذه العناصر هي ما ساهمت لوصول الإخوان إلى السلطة بسرعة فائقة قطعت الطريق على الثوار لتحقيق أي عائد يُرجى من ثورتهم .

و السؤال هنا للطيف الثوري المترسّب من حركة 6 أبريل التي أصبحت موسمية , و حركة كفاية التي اكتفت بما وصل إليه الحال , و صفحة كلنا خالد سعيد التي ثبّتت آخر منشوراتها كهرم صغير لم يكتمل بناءه بعد … السؤال يا معشر الثوّار أي العناصر الرئيسية لنجاح ثورة الخامس و العشرين من يناير حققتم و استطعتم أن توجدوه بين شعب مصر ؟ أين هي روح الفكر التي روّجتم لها بين الناس في الكتب و المقالات ؟ أم أنها كلها شعارات عاطفية متأججة و غضب كامن نتيجة أوضاع سيئة أشعلها البوعزيزي بين ظهرانيكم ؟ أين القادة الوطنيون من المعارضة أو المستقلين الذين اجتمع حولهم الملايين بالإجماع لا لشيء إلا لاتفاقهم مع ذات الفكر المنشود و المروج له – و لا يصح القول بأن أبا الفتوح و حمدين قادة ثوريون لأن كلاهما لم يخدم فكراً آمن به فئة كبيرة من الناس قبل أن يصعدا إلى سطح الشهرة بل مثّلوا فئة من المعارضة رأى فيهما الناس بعد ذلك خانة فارغة ظنّوا أنها من الممكن أن تملأ صورة القائد و مكانته – .

ربما يستطيع شباب الثورة أن يبدأ بنفسه أولا فيغير و يضع أساسا و يزرع أملا جديدا لكل الشعارات المثالية التي هتف بها في أيام الثورة من العيش الكريم (بالبحث عن توفير تمويل ذاتي لا يتبع للخارج وبالتالي يتحاشى التبعية تلقائيا) و الحرية السياسية (القائمة على احترام الآخر و الاتجاه الإصلاحي و اللجوء إلى خيار و آليات الديمقراطية) و العدالة الاجتماعية (تأسيس كيانات اقتصادية في القطاع الخاص تزيل الفوارق بين فئات المجتمع و من يعملون في جهات سيادية تابعة للقطاع الحكومي توفر لهم نفوذا لا يملكه غيرهم من مستشارين و ضباط و مسؤولين )

حينما يمتلك شباب الثورة تلك العناصر سيتمكن من تحقيق أهدافه بسهولة و لن يجد الحكم العسكري مانعا في أن يسلّم زمام الأمور و ينقل السلطة بطريقة ديمقراطية منظمة , أو على أسوأ تقدير بعد ثورة سلمية – سريعة هذه المرة – و ضغط شعبي بقيادة شبابية تؤول بعدها الأمور إلى الدولة المدنية و الجمهورية الثانية المزمع إقامتها .

و لن ينجح أبدا النزول بنفس الأسلوب , و نفس الغضب المستمر بسبب نفس الظروف الصعبة , و بأعداد كل الشواهد تؤكد بأنها أقل , ويقوم بمناشدة الحاكم العسكري بالتنحي عن الحكم الذي رأى كثير من الشعب في عودته بكرباجه و سلطاته و هنجعيته علاجا لحالة الغوغاء التي عاشتها البلاد بعد ثورة بلا فكر و لا قادة و لا حشد منظم لا يحيد أبدا عن أهدافه و لا إلى مصالحه الخاصة و لا إلى مطالبه الفئوية .

و الله من و راء القصد . أسأل الله أن يصلح حال البلاد إلى ما فيه الخير

مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر صاحبها ولا تعبر بالضرورة عن الشرقية توداي

زر الذهاب إلى الأعلى