مقالاتمقالات القراء

عصام الصيفي| يكتب: الاختلاف في الرأي لا يفسد للود قضية ولكن

الصيفي

الاختلاف فى الرأي والمعتقد أو الصفات والخلق أو الطباع والسلوك سنة كونية، بل وهى فطرة الله التى فطر الناس عليها، ولو أراد ربنا أن يكون الناس على حال واحد لفعل لكنه لم يرد ذلك، فهو القائل فى كتابه “ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم” فالله لم يخلق الخلق إلا ليختلفوا ولو أراد أن يتفقوا على أمر لكان أولى أن يتفقوا على وجود الحق.

ومن المعلوم من الدين بالضرورة الأمر بالاعتصام والاتحاد قال تعالى “واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا”، وقوله “ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم” أى قوتكم وجماعتكم، وقوله “ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءتهم البيانات”، وقوله “أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه”.

فالأوامر بالاعتصام مقرونة بنواهٍ عن التفرق والنزاع، مع التنبيه إلى النتائج الحتمية المتمثلة فى الفشل والعجز عن الوصول إلى غاية معينة، وهنا فشل الأمة وعجزها عن القيام بوظيفتها في هداية البشر والخلافة الراشدة في الأرض، قال تعالى “واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم”؛ وقد بين المصطفى ذلك خير بيان، حيث قال “لا تقاطعوا وتدابروا ولا تباغضوا وكونوا عباد الله إخوانا”

إن الاختلاف سائغ وواقع وسلوك حضاري طالما كان في حدود الشريعة وضوابطها ولم يعتد على حقوق الآخرين فى التعبير فإنه لا يكون مذموما بل يكون ممدوحا ومصدرا من مصادر الإثراء الفكري ووسيلة للوصول إلى القرار الصائب، وما مبدأ الشورى الذي قرره الإسلام إلا تشريعاً لهذا الاختلاف الحميد “وشاورهم في الأمر”، فكم كان النبي صلى الله عليه وسلم يستشير أصحابه ويستمع لآرائهم وتختلف وجهات نظرهم.

فالاختلاف وإن كان أمرا حتميا إلا أنه لا بد وأن يلتزم الأطراف المختلفة بآدابه وهذا هو داب علماء الأمة، كانوا يختلفون لهدف الوصول للحقيقة لا من أجل الاختلاف، وكان الواحد منهم يختلف مع أخيه ويتمنى ان يصل للحقيقة فهذا الإمام الشافعي يتساءل ويقول: (ألا يستقيم أن نكون إخواناً وإن لم نتفق في مسألة، ويقول: “ما ناظرت أحدا إلا قلت اللهم أجر الحق على قلبه ولسانه، فإن كان الحق معي اتبعني وإذا كان الحق معه اتبعته”.

إن ما نراه من معاداةٍ بين المختلفين فى الاجتهاد والرأي ما هو إلا اتباع للهوى، حيث يدخل الخلل في الموالاة والمعاداة حين يكون الاتباع للهوى، فحيثما وجد التفرق كان مبعثه الهوى لأن أصل الاختلاف الاجتهادي لا يقتضي الفرقة والعداوة، وكما قالوا الاختلاف فى الرأي لا يفسد للود قضية، فكل أمر اختلف الناس فيه ولم يورث ذلك الاختلاف بينهم عداوة ولا بغضاء ولا فرقة فهو خلاف مقبول، وكل أمر اختلف الناس فيه فأوجب العداوة والتنافر والتنابز والقطيعة فهو غير مقبول، ويجب على كل ذى دين وعقل أن يجتنبها.. فإذا اختلفوا وتقاطعوا كان ذلك بحدث أحدثوه من اتباع الهوى.

إن أمراض العقول عند الناس في عصرنا هذا قد تعددت وتشعبت وفشت حتى شملت كل جوانب الحياة، ومن العجيب أن الأمة لا تزال على قيد الحياة، لم تصب منها تلك الأمراض مقتلاً على كثرتها وخطورتها، وكان بعضها كفيلاً بإبادة أمم وشعوب لم تغن عنها كثرتها ولا وفرة مواردها، وإن من أخطر ما أصيبت به هذه الأمة في الآونة الأخيرة مرض الاختلاف.. الاختلاف في كل شيء وعلى كل شيء.

ومن خطورة الاختلاف نهانا ديننا عنه فكان النبي صلى الله عليه وسلم يدرك أن بقاء هذه الأمة رهين بتآلف القلوب التى التقت على الحب في الله، وإن هلاكها فى تناحر قلوبها لذلك كان يحذر من أن يبرز الخلاف فيقول: “لا تختلفوا فتختلف قلوبكم”، وكان كرام الصحابة رضوان الله عليهم يرون أن الخلاف لا يأتي بخير، كما في قول ابن مسعود رضي الله عنه: «الخلاف شر”، لذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يجتث بذرة الخلاف قبل أن تتنامى… فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: كنت مع رسول الله يوما فسمع صوات رجلين اختلفا في آية فخرج رسول الله يعرف فى وجهه الغضب فقال: “إنما هلك من كان قبلكم باختلافهم في الكتاب”.

ولذا كان الصحابة يحاولون ألا يختلفوا ما أمكن فلم يكونوا يكثرون من المسائل والتفريعات بل يعالجون ما يقع من النوازل في ظلال هدي رسولهم ومعالجة الأمر الواقع عادة لا تتيح فرصة كبيرة للجدل فضلا عن التنازع والشقاق، وكان إذا وقع الاختلاف رغم محاولات تحاشيه سارعوا في رد الأمر المختلف فيه إلى كتاب الله والى رسوله وسرعان ما يرتفع الخلاف، وإذا ما تحتم الاختلاف كانوا يلتزمون بآداب الاختلاف من انتقاء أطايب الكلم وتجنب الألفاظ الجارحة بين المختلفين مع حسن استماع كل منهما للآخر.
إن ما حدث من احداث فى المباراة النهائية فى البطولة العربية وبعد انتهائها يبين أننا فى بعد عن الآداب التى حرص الإسلام على تعليمها لأتباعه.
إن العرب فى العصر الحديث اتفقوا على ألا يتفقوا واتحدوا على ألا يتحدوا، ونرى الاختلاف بينهم فى أمور كثيرة قائم وبشراسة وهذا أمر جلي لكل ذى عقل، ولعل الشيء الوحيد الذى اتفق عليه العرب فى هذه الأيام هو البطولة العربية، لكنهم كللوا اتفاقهم هذا فى نهاية البطولة بضرب حكم المباراة.

هل كرة القدم تستحق منا أن ننحط بأخلاقنا كالجرزان عندما يتشاجرون على قطعة طعام فاز بها أحدهم ولا يستطيعون فعل شيء فى مواجهة أعدائهم عندما سلبوا منهم حريتهم وطعامعهم وأوطانهم ودنسوا مقدساتهم؟!.
أين ذهبت القومية العربية وروح الأخوة المشتركة؟! هل يصل بنا الحال إلى أن نختلف على مباراة كرة قدم؟! .

إننا بحاجة ماسة الى الفكر السليم القائم على اعمال العقل والتزام الآداب، كما نحتاج إلى دراسة سبل العقلاء فى التعامل مع ما طرأ عليهم من مشكلات، لنتمكن من إيجاد حلول للمشكلات التى تعانى منها الشعوب، فإذا ثبت الناس إلى رشدهم، ووضعوا يدهم على الجرح، وعرفت موطن الداء لابد لها بعد ذلك أن تتبين الخطوات التي يجب أن تسلكها للوصول الى الدواء وتحقيق الهدف، وما ذلك عنها ببعيد.

shady zaabl

كاتب صحفي مصري مهتم بالمواقع الإلكترونية وإدارتها وكتابة المقالات في جميع الأقسام وذو خبرة في الصحافة والإعلام والمحتوى لـ 5 سنوات وفقً لدراسة أكاديمية وتطبيق عملي .
زر الذهاب إلى الأعلى