مقالاتمقالات القراء

عصام الصيفي | يكتب: الحج بين النسك والأسرار

الصيفي

الحج وإن كان عبادة بدنية إلا أنه أعماله روحية قلبية، ففى كل عمل منه تجد سراً وحكمةً، فعند شرائك لثوبي الإحرام فعليك أن تتذكر أكفانك؛ وعند خروجك من بيتك متجها لبيت الله فاعلم عندها أنك مفارق الأهل والوطن متوجهاً لله فى سفر لا يضاهي أسفار الدنيا، واسأل قلبك ماذا يريد وأين يتوجه وزيارة من يقصد؟ وأنه متوجه إلى ملك الملوك فى زمرة الزائرين له الذين نودوا فأجابوا وشوقوا فاشتاقوا واستنهضوا فنهضوا وقطعوا العلائق وفارقوا الخلائق واقبلوا على بيت الله، ولتحضر فى قلبك رجاء الوصول والقبول ثقة بفضل الله وافداً إليه إذ قال “ومن يخرج من بيته مهاجراً إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله”.

وعند الإحرام والتلبية من الميقات فاعلم أن معناه إجابة نداء الله فارج أن تكون مقبولاً واخش أن يقال لك لا لبيك ولا سعديك فكن بين الرجاء والخوف متردداً وعلى فضل الله متكلاً، فإن وقت التلبية هو محل الخطر، فقد حج علي ابن الحسين رضي الله عنهما فلما أحرم واستوت به راحلته اصفر لونه وانتفض وارتعد ولم يستطع التلبية فقيل له: لم لا تلبي؟ فقال: أخشى أن يقال لي لا لبيك ولا سعديك، فلما لبى غشي عليه ووقع عن راحلته فلم يزل يعتريه ذلك حتى قضى حجه، وتذكر عند رفع صوتك بالتلبية فى الميقات إجابته لنداء الله إذ قال “وأذن فى الناس بالحج” ونداء الخلق بنفخ الصور وحشرهم من القبور وازدحامهم يوم القيامة مجيبين لنداء الله سبحانه؛ ومنقسمين إلى مقربين وممقوتين، ومقبولين ومردودين، ومترددين فى أول الأمر بين الخوف والرجاء تردد الحاج فى الميقات حيث لا يدرون أيتيسر لهم إتمام الحج وقبوله أم لا؟.
وعند دخول مكة فلتتذكر عندها أنك قد انتهيت لحرم الله آمناً وارج عنده أن تأمن بدخولك من عقاب الله، واخش أن لا تكون أهلاً للقرب فيكون بدخولك الحرم خائباً ومستحقاً للمقت، وليكن رجاؤك فى جميع الأوقات غالباً؛ وأما عند وقوع البصر على البيت فينبغي أن تستحضر عنده عظمة البيت فى القلب وكأنه تشاهد رب البيت لشدة تعظيمك إياه، وارج أن يرزقك الله تعالى النظر إلى وجهه الكريم كما رزقك الله النظر إلى بيته العظيم، واشكر الله تعالى على تبليغه إياك هذه الرتبة، واذكر عند ذلك انصباب الناس فى القيامة إلى جهة الجنة آملين لدخولها كافة ثم انقسامهم إلى مأذونين فى الدخول ومصروفين انقسام الحاج إلى مقبولين ومردودين.

وأما عند الطواف بالبيت فاعلم أنه صلاة فأحضر فى قلبك فيه من التعظيم والخوف والرجاء والمحبة لله، واعلم أنك بالطواف متشبه بالملائكة، ولا تظنن أن المقصود طواف جسمك بالبيت بل المقصود طواف قلبك بذكر رب البيت؛ وأما عند استلام الحجر فاعتقد عنده أنك مبايع لله على طاعته وصمم عزيمتك على الوفاء ببيعتك، فقد روى ابن عباس رضي الله عنهما عن المصطفى أنه قال “الحجر الأسود يمين الله عز وجل فى الأرض يصافح بها خلقه كما يصافح الرجل أخاه”؛ وأما عند التعلق بأستار الكعبة فلتكن نيتك فى الالتزام طلب القرب حباً وشوقاً للبيت ولربه وتبركاً ورجاء للتحصن عن النار فى كل جزء من بدنك، ولتكن نيتك فى التعلق بالأستار الإلحاح فى طلب المغفرة وسؤال الأمان كالمذنب المتعلق بثياب من أذنب إليه المتضرع إليه فى عفوه عنه المظهر له أنه لا ملجأ له منه إلا إليه ولا مفزع له إلا كرمه وعفوه، وأنه لا يفارقه إلا بالعفو وبذل الأمن فى المستقبل.

وأما السعي بين الصفا والمروة فى فناء البيت فإنه يضاهي تردد العبد بفناء دار الملك إيابا وذاهباً مرة بعد أخرى إظهاراً للإخلاص فى الخدمة ورجاء للملاحظة بعين الرحمة كالذي دخل على الملك وخرج وهو لا يدري ما الذي يقضي به الملك فى حقه من قبول أو رد؟ فلا يزال يتردد على فناء الدار مرة بعد أخرى يرجو أن يرحم فى الثانية إن لم يرحم فى الأولى؛ ولتتذكر عند التردد بين الصفا والمروة تردد كفتي الميزان يوم القيامة، وليمثل الصفا بكفة الحسنات والمروة بكفة السيئات، وليتذكر تردده بين الكفتين ناظراً للرجحان والنقصان متردداً بين العذاب والغفران.

وأما عند الوقوف بعرفة فتذكر عند ازدحام الخلق وارتفاع الأصوات واختلاف اللغات واتباع الأمم أئمتهم فى الترددات على المشاعر اقتفاء لهم وسيراً بسيرهم يوم القيامة واجتماع الأمم مع الأنبياء والأئمة واقتفاء كل أمة بنبيها وطمعهم فى شفاعتهم وتحيرهم فى ذلك الصعيد الواحد بين الرد والقبول؛ وإذا تذكرت ذلك فألزم قلبك الضراعة إلى الله؛ وأما رمي الجمار فالمقصود به الانقياد للأمر إظهاراً للرق والعبودية، وليكن قصدك التشبه بإبراهيم عليه السلام حيث عرض له إبليس لعنه الله فى ذلك الموضع، وإن خطر لك أن الشيطان عرض له وشاهده فلذلك رماه وأما أنت فلم يعرض لك الشيطان؟ فاعلم أن هذا الخاطر من الشيطان وأنه الذي ألقاه فى قلبك ليفتر عزمك فى الرمي ويخيل إليك أنه فعل لا فائدة فيه وأنه يضاهي اللعب فلم تشغل به؟ فاطرده عن نفسك بالجد فى الرمي فيه برغم أنف الشيطان.

واعلم أنك فى الظاهر ترمي الحصى إلى العقبة وفى الحقيقة ترمي به وجه الشيطان وتقصم به ظهره إذ لا يحصل إرغام أنفه إلا بامتثالك أمر الله تعظيماً له بمجرد الأمر من غير حظ للنفس والعقل فيه؛ وأما عند ذبح الهدي فاعلم أنه تقرب إلى الله بحكم الامتثال فأكمل الهدي وارج أن يعتق الله بكل جزء منه جزءاً منك من النار.

وأما زيارة المصطفى فاعلم أنها بابا القبول وهى ختام الحج والعبرة بالخواتيم، فمن حج بهذه المعاني فحجه مقبول، ومن لم يراعى هذه المعاني فلم ينل من حجه إلا العناء والمشقة والتعب.

shady zaabl

كاتب صحفي مصري مهتم بالمواقع الإلكترونية وإدارتها وكتابة المقالات في جميع الأقسام وذو خبرة في الصحافة والإعلام والمحتوى لـ 5 سنوات وفقً لدراسة أكاديمية وتطبيق عملي .
زر الذهاب إلى الأعلى