أعمدة

عماد الدين حسين | يكتب : حوار لم يتم مع هيكل

عماد حسين

زميلى خالد أبوبكر، أحد مدراء التحرير فى «الشروق»، طلب منى ترتيب موعد مع الأستاذ الكبير محمد حسنين هيكل لزيارته فى مكتبه، لكى يجلس معه وجها لوجه ويعطيه الحلقات التى عرضها فى «الشروق» فى شهر أكتوبر الماضى لكتاب هيكل: «أكتوبر 73.. السلاح والسياسة».
فى أول زيارة إلى مكتب الأستاذ عرضت عليه الطلب فوافق فورا بعد عودته من سفر سريع وطارئ، وعندما عاد الأستاذ جرى الاتفاق ــ كما اقترح الأستاذ عبدالله السناوى ــ على أن يكون اللقاء بينه وبين هيئة تحرير «الشروق» بأكملها، ثم تطورت الفكرة من مجرد لقاء إلى حوار صحفى شامل يتم نشره فى ذكرى ثورة ٢٥ يناير الخامسة، أو مع ذكرى احتفال «الشروق» بانطلاقتها السابعة، والتى كانت تحل فى أول فبراير الحالى.
لم يكن الأستاذ هيكل متحمسا للحوار، باعتباره توقف تقريبا عن الحوارات الصحفية، وصارت إطلالته مقصورة على الحوارات التليفزيونية مع الزميلة العزيزة لميس الحديدى.
لكننى ألححت عليه، ثم تدخل الأستاذ عبدالله السناوى أحد أكثر المقربين منه، وقال للأستاذ: «سوف يتم إجراء الحوار وعرضه عليك، ثم نترك لك حرية اختيار طريقة النشر».
وعندما صار كل شىء جاهزا، كان المهندس إبراهيم المعلم قد اضطر للسفر إلى هايدبرج فى ألمانيا لإجراء جراحة عاجلة. وبالتالى اتفقنا مع الأستاذ على تأجيل الحوار قليلا.
عاد المهندس إبراهيم المعلم بسلامة الله، وبعدها مباشرة زار الأستاذ هيكل فى مكتبه، وتم الاتفاق على أن يكون الحوار فى الأسبوع التالى مباشرة.
وعندما عاد المهندس إبراهيم أخبرنى أن اللقاء سيتم خلال أيام قليلة. تواصلت مع الأستاذ واتفقنا على أن يكون الموعد فى العاشرة من صباح يوم الاثنين ١١ يناير الماضى.
عندما أخبرت زملائى فى «الشروق» بالموعد، وطلبت منهم أن تكون الملابس رسمية فى هذا اليوم، ظللنا نضحك كثيرا ونتخيل ماذا سيقول كل واحد منهم عندما يقابل الأستاذ.
قبل الموعد بيومين فقط، أخبرنى المهندس إبراهيم المعلم أن اللقاء سيتم تأجيله لأيام قليلة لأن نزلة برد شديدة أصابت الأستاذ لدى عودته إلى منزله فى يوم كان عاصفا وممطرا.
فى اليوم التالى اتصلت بالأستاذ هيكل للاطمئنان على صحته، وكان سؤاله الدائم «إيه الأخبار يا عماد»؟!. حكيت له ما كان متوافرا من أخبار وقتها، وانتهت المكالمة على أمل ترتيب الموعد عندما تتحسن صحته قليلا.
فى الأيام التالية جرى كل شىء بسرعة مذهلة، الحالة الصحية للأستاذ تتدهور وقدرته المعهودة على المقاومة تقل، ورغم ذلك كان لدى معظمنا يقين بأن الأستاذ سوف يجتاز هذه المحنة مثلما تجاوز الكثير مثلها سابقا.
لكن الأخبار الآتية من بعض أفراد الأسرة لم تكن مطمئنة، وتتحدث عن وضع حرج للغاية، لم نكن نملك معه إلا الدعوات بحدوث معجزة، خصوصا بعد التدهور الحاد مساء الجمعة الماضية.
كنا نراهن على معجزة أملا فى أن يبقى هيكل معنا، ينير لنا الطريق ويقدم لنا الرؤية، ويعرض الصورة الشاملة والكاملة، وينصحنا بألا نهمل فى حق مصر ودورها، وأن نعمل ونكد ونتعب وننحاز إلى العلم والعقل والمنطق. لكن الأستاذ استأذن فى الانصراف الطويل دون أن نواصل الاستماع إليه والتواصل والتحاور معه.. رحل الأستاذ واقفا على قدميه.. يرحمه الله فقد كان فعلا عنصر الأمان الفكرى لمصر والمنطقة، كما قال الدكتور مصطفى الفقى، وهو يتحدث عنه قبل الصلاة على جثمانه عصر يوم الأربعاء الماضى فى جامع الحسين.
خالص العزاء للدكتور أحمد هيكل والدكتور على هيكل والأستاذ حسن هيكل، وسائر أفراد الأسرة الكريمة وجميع محبيه فى مصر والوطن العربى الكبير.

 المصدر

زر الذهاب إلى الأعلى