أعمدة

عماد الدين حسين| يكتب : فى أبو حماد شرقية

عماد حسينالناس العادية أكثر وعيا مما نظن، ولم يعد ممكنا الضحك عليهم أو التلاعب بهم كما كان يحدث قبل 25 يناير 2011.

بعد ظهر الجمعة الماضية دعانى الصديق الإعلامى محمود الوروارى لحضور مؤتمر جماهيرى فى قرية العباسة بمركز أبوحماد بالشرقية للاستماع إلى مرشح محتمل لانتخابات مجلس النواب المقبل.

كنت من بين ضيوف آخرين تمت دعوتهم، وتحدث أغلبهم عن الأفكار العامة الرئيسية من قبيل أهمية وخطورة البرلمان المقبل وضرورة التدقيق فى الاختيار قبل انتخاب أعضائه.

لكن الذى لفت نظرى مجموعة من المشاهد التى أراها مهمة وتعكس تحولا وتغييرا فى الفكرة السائدة عن غالبية المصريين بأنهم لا يهتمون بالسياسة أو يخافون منها.

كل الذين تحدثوا من داخل القاعة وليس من فوق المنصة كانوا قادرين على التعبير ببراعة عن أفكار منظمة ومنطقية وبكلمات وتعبيرات محددة.

أحدهم على سبيل المثال تحدث عن ضرورة عدم انتخاب رموز الحزب الوطنى حيث يراهم السبب الرئيسى فى كل ما حل بمصر من فساد وبلاء. وبعد أن أنهى كلمته فى حوالى دقيقتين وجلس، طلب الكلمة وألح عليها بشدة قائلا إنه خشى أن يفهم من كلامه أنه ضد الحزب الوطنى ومع انتخاب الإخوان المسلمين، وبالتالى فهو يطالب المواطنين بعدم انتخاب هؤلاء أو أولئك، لأنه لا يعقل انتخابهم بعد أن ثار الشعب ضدهم فى 25 يناير و30 يونيو.

قبل بداية المؤتمر كانت هناك الأغانى الوطنية التى صارت تقليدية من أول «تسلم الأيادى» إلى «بشرة خير»، وجميع الذين تحدثوا أعلنوا تأييدهم للسيسى وكانوا يلوحون بعلم مصر، بل إن أحد المتحدثين طالب الحضور بتكرار تحيا جمهورية مصر العربية ثلاث مرات.

ورغم ذلك فإن بعض المتحدثين حذروا من المتاجرة بالثورة واستغلال اسم السيسى وكان لافتا للنظر التركيز على ضرورة حل مشكلتى التعليم والصحة بدلا من الإسراف فى الشعارات والكلمات المعسولة.

معظم الحاضرين كانوا يرتدون الجلاليب، وكل من تحدث منهم كان مطلعا على آخر التطورات فى المجتمع والمنطقة، ويتحدث بطلاقة وفهم بل ورؤية.

السبب الرئيسى فى هذه الظاهرة الجديدة والمهمة والجيدة هى ثورة 25 يناير التى كسرت حاجز خوف المصريين من الحكومة والسلطة، وأنهت تماما المفهوم الخاطئ بأن السياسة مرادف لمعاداة الحكومة والدولة والأجهزة.

والسبب الثانى فى هذا التطور هو ثورة الاتصالات والمعلومات التى تتيح للجميع أن يعرف كل شىء أولا بأول، ولم يعد فى إمكان أى حكومة أن تحجب الأخبار والمعلومات بالكامل.

صحيح أن مفاهيم العزوة والعائلة والأنساب والدين لاتزال مؤثرة فى المجتمع المصرى خصوصا فى الأرياف، لكن الصحيح أيضا أن مفاهيم الديمقراطية والحريات والمساءلة والشفافية والرقابة والعدالة الاجتماعية تكتسب كل يوم مساحات جديدة.

المشهد الأكثر تأثيرا أيضا خلال اللقاء كان وجود قس، تحدث بروح وطنية جياشة تؤكد أن وحدة عنصرى الأمة حقيقة ثابتة وليست مجرد شعارات يلوكها بعض السياسيين والإعلاميين. وفى المقابل فإن كل المتحدثين المسلمين تحدثوا عن إخوتهم المسيحيين بما يستحقونه من تبجيل وتقدير.

بالطبع كل المتطرفين والمستبدين حاولوا وسوف يحاولون اللعب على الوتر الطائفى، كل لأسبابه المختلفة، لكن الواقع كما رأيته فى أماكن عديدة بطول البلاد وعرضها يؤكد أن هذا النسيج لايزال قويا وعصيا على الاختراق، وهو الأمر الذى نسأل الله أن يستمر إلى الأبد.

المجتمع المصرى لايزال بخير، وشعبه أكثر تطورا من نخبته.. يحتاج فقط إلى رؤية واضحة على الأرض كى نتحرك جميعا إلى الأمام.

المصدر

زر الذهاب إلى الأعلى