أعمدة

عماد الدين حسين | يكتب : ٧ أيام فى باريس «٤»

عماد الدين حسين

مسئول فرنسى مهم عمل لفترة طويلة فى مركز التحليل والتوقع والاستراتيجية التابع لوزارة الخارجية التقيته فى باريس خلال ديسمبر الماضى، قال لى إن معهد العلاقات الدولية يتبع نظريا وزارة الخارجية لكنه مستقل عنها تماما، ودوره أن يمد الوزير بمعلومات مستقاة من الواقع، ومختلفة عما تقدمه جهات اخرى، فالمعهد هيئة خاصة منفتحة على عالم الفكر والأبحاث، الأعضاء يتكلمون بحرية ويفكرون بصوت مرتفع، لكن فى نفس الوقت كلامهم غير ملزم للوزير أو الوزارة بل مجرد استشارات.
يقول الخبير إنه قبل نحو عام كان التقدير أن عدد الفرنسيين المنضمين لداعش يبلغ نحو ٣٧٠ شخصا تقريبا يتواجدون فى سوريا والعراق، ومعهم بضع مئات آخرون فى حالة حراك دائم، والتقدير أن عدد الفرنسيين المنضمين لداعش أو على صلة بها يبلغ نحو الألف فرنسى، وهو رقم مفزع لهم مقارنة بأن الذين سافروا لأفغانستان كانوا يقدرون بالعشرات فقط.
الأكثر إزعاجا للحكومة هم الذين ينضمون لداعش من اصول فرنسية بحتة، أى مواطنون ينحدرون من ثقافة أوروبية وديانة مسيحية، ثم ينضمون لتنظيم إسلامى متطرف من دون حتى أن يمروا بمرحلة اختبار الدين الحديد، أى يعبرون من المسيحية إلى التطرف الإسلامى مباشرة.
بعض العائلات تبلغ السلطات أن أحد أبنائها اختفى، وهو ما تفهمه الحكومة بأنه ذهب للقتال مع داعش، والأخطر كما يقول: «نحن نعيش كابوسا اسمه عودة الذين قاتلوا تحت راية داعش فى سوريا والعراق، وماذا سيفعلون هنا؟!».
فى تقدير هذا الخبير الفرنسى الذى لا يزال على علاقة عمل مع جهات حكومية فإن ظاهرة داعش سوف تدوم لفترة، والمحرك الذى يستجلب الناس هو استمرار تواجد التنظيم فى سوريا والعراق.
وفى تقدير هذا المركز الفرنسى فإن القضاء على داعش يستلزم القضاء على الأسباب التى أدت إلى قيامه وأهمها إنهاء المظالم التى تتعرض لها الطائفة السنية فى العراق وسوريا، ثم إنهاء «حالة الانبهار» التى يمثلها داعش باستمرار انتصاراته وتحويلها إلى هزائم وخيبات.
يقول الخبير الفرنسى إنه يعتقد أنه لا توجد خطة واضحة للأمريكيين فى المنطقة، رغم إقراره للدور الأمريكى فى نشأة داعش. وهو يعتقد أن هناك احتمالين الأولين أن يترك الأمريكيون النزاعات تتفاقم أو يتركوها لجهات وأطراف معينة لتقود الأمور. هو أيضا غير متأكد من أن أمريكا تريد تفكيك المنطقة، لكنه يقر بأنها ربما «زهقت أو طهقت» من المنطقة وتفضل الانسحاب إلى آسيا ذات الفرص الواعدة فى الاقتصاد والنمو.
وبما أن وظيفة مركزه هى التنبؤ والتوقع فإن الخبير الفرنسى ــ وبلهجة ساخرة ــ لا يتوقع أن يزيد عدد الدول العربية فى المستقبل لكن ربما تخطو كردستان خطوات أكثر نحو الاستقلال، وسوف تستمر دول الخليج كما هى، لكن التحولات الكبرى سوف تتواصل، وقادة المنطقة لن يظلوا كثيرا فى السلطة، الخريطة قد لا تتغير، لكن هناك ظواهر بدأت تلوح لم نرها منذ العهود العثمانية أو الاستعمارية، طفل ينشأ وهناك أزمة نمو، وربما تحتاج المنطقة إلى عقد اجتماعى جديد.
بالنسبة لمصر فهى كدولة ستظل موجودة كما هى فهى بلد راسخ وليس عابرا مثل الكثير حولها، لكن التساؤل الأهم هو ضرورة الإصلاحات الاجتماعية والاقتصادية، كل العالم يحتاج إلى مصر القوية المستقرة لأنها ربع العالم العربى، وفكرتنا المسبقة عنها إيجابية. يضيف أن أبحاث مركزه لم تحسم الإجابة عن سؤال: هل الإخوان أقلية سياسية أم حقيقية اجتماعية، وهل بالإمكان ازاحتهم بصورة دائمة؟!!.
هو يعتقد أنه كلما كان هناك اسقرار اقتصادى لمدة عشرة أو عشرين عاما فإن تأثير ودور الإخوان سيقلان تماما.
تجربة الربيع العربى التى فشل الجميع فى التنبؤ بها جعلت فرنسا تتعامل مع كل حالة على حدة، فهى قد تحبذ اشراك الاسلام السياسى فى الحكم فى تونس لانه تيار اكثر رشدا رغم الإحباط اللاحق، وقد تعارضه فى مصر لأنه إقصائى ولا ينبذ العنف. لكن الحقيقة المؤكدة فى المنطقة انه لا شىء مؤكد!!!.

المصدر

زر الذهاب إلى الأعلى