أعمدة

عمرو حمزاوى | يكتب : بل السياحة الداخلية هى الحل!

حمزاوى

فى الأقصر وأسوان، فى إدفو وكوم أمبو، فى البحر الأحمر وسيناء، فى القاهرة والإسكندرية، فى جميع هذه الأماكن وفى غيرها تراجعت بشدة دخول الناس ومعدلات التشغيل ومستويات المعيشة والخدمات الأساسية بفعل التعطل الكبير الذى أصاب القطاع السياحى خلال السنوات الماضية.

أتابع باستمرار أخبار حملات تنشيط وتشجيع السياحة الخارجية ــ سياحة الأمريكيين والأوروبيين والروس والصينيين والسياحة العربية ــ التى تديرها وزارة السياحة والمصالح الاستثمارية الخاصة وتشارك بها أحيانا بعض نقابات العاملين فى القطاع السياحى. ومع بالغ تقديرى للجهد الحكومى وجهود القطاع الخاص والجهود النقابية المبذولة، إلا أن مجمل الأحوال المصرية والأوضاع الإقليمية فى بلاد العرب يباعد بين حملات تنشيط وتشجيع السياحة الخارجية وبين النجاح الحقيقى. ولم يعد ممكنا مواصلة التعويل على الحملات هذه لإخراج قطاع السياحة والعاملين به من أزمة التعطل الكبير الممتدة منذ سنوات، ولا الاعتماد على توافد بعض الأفواج السياحية الخارجية بصورة موسمية وغير منتظمة ــ أبلغنى بعض الأصدقاء العاملين فى القطاع السياحى فى الأقصر وأسوان أن الأسابيع القليلة الماضية شهدت رواجا لسياحة الصينيين، ثم اختفت أفواجهم فجأة.

وواقع الأمر أن العاملين فى القطاع السياحى، وعلى اختلاف طبائع مهامهم ومواقعهم ومستوياتهم الوظيفية، تحملوا التعطل الكبير مستخدمين الكثير من القدرات الذاتية والكثير من التحايل على الدخول المحدودة ومستويات المعيشة المتراجعة، وقبلهما بالكثير من المعاناة الإنسانية لهم ولأسرهم. غير أن بعضهم، وهم عمالة مدربة وذات خبرة متراكمة، يهجرون اليوم القطاع السياحى إلى قطاعات تشغيل أخرى، وفى هذا خسارة فادحة لرأس المال البشرى ــ فى حوارات مع بعض الأصدقاء فى أسوان خلال الأيام الماضية، ومع شعورى بالحزن الشديد على المعابد الخالية من زوارها، استمعت إلى بعض التفاصيل المؤلمة لهجرة العمالة المدربة للقطاع السياحى بحثا عن شىء من الرزق وللوفاء بشىء من متطلبات الحياة الأساسية لهم وﻷسرهم.

لا سبيل ﻹخراج القطاع السياحى من التعطل الكبير، لا سبيل ﻹيقاف هجرة العمالة المدربة للقطاع والحد من معاناة الجميع، لا سبيل لتغيير مشهد المعابد الخالية من الزوار (على سبيل المثال، أمضيت مع أسرتى ساعة كاملة بمفردنا فى معبد كلابشة يوم الاثنين الماضى، دون أن يأتى إلى المعبد لا قريب ولا غريب)، إلا بعمل الجهات الحكومية المعنية وأصحاب الاستثمارات الخاصة ونقابات العاملين على تطوير رؤية متكاملة لتنشيط وتشجيع السياحة الداخلية بجانب الجهود المتجهة إلى تنشيط السياحة الخارجية.

تستطيع الأطراف الحكومية ورأس المال الخاص ونقابات العاملين، على سبيل المثال، تطوير برامج السياحة الداخلية للمدارس والجامعات ولموظفى الإدارات الحكومية والقطاع الخاص وتنظيمها وفقا لجداول زمنية تضمن تشغيل القطاع السياحى طوال العام ــ وإن فى حدود دنيا أو بمعدلات إنفاق أقل من إنفاق السائح الأجنبى. تستطيع هذه الأطراف أيضا اجتذاب السياحة الداخلية بحملات توعية للرأى العام المصرى تخاطب فى المواطن القادر مسئوليته عن إنقاذ قطاع اقتصادى رئيسى من تراجعه الكبير وتظهر لجميع المصريات والمصريين روعة حضارتنا القديمة وجمال طبيعة بلادنا. وحين يتواكب ذلك مع برامج سياحية تتجه ليس فقط لميسورى الحال، بل أيضا لمتوسطى الدخل ومحدوديه بتسهيلات جذابة، سينطلق قطار السياحة الداخلية وينقذ القطاع من الأزمة الراهنة. وحين تسمح الأحوال المصرية والأوضاع الإقليمية بعودة حقيقية للسياحة الخارجية، ستجد الأفواج الأجنبية قطاعا عادت إليه عمالته المدربة ولم تنهر بنيته التحتية ــ لفت انتباهى خلال متابعتى مع أسرتى لعرض الصوت والضوء فى معبد ايزيس بجزيرة فيلة التدهور النسبى للجودة الصوتية للعرض مقارنة بزيارتى قبل عامين لهذا المعبد رائع الجمال والإبهار.

أرجوكم، طوروا سريعا رؤية متكاملة لتنشيط وتشجيع السياحة الداخلية فى مصر. دون ذلك، ستنهار البنية التحتية للقطاع السياحى بالكامل وتتواصل هجرة رأس المال البشرى إلى قطاعات تشغيل أخرى.

المصدر

زر الذهاب إلى الأعلى