أعمدة

عمرو حمزاوى | يكتب : جامعة القاهرة

عمرو حمزاوىروح مختلفة تلك التى سرت إلى ما أن عدت منذ أسابيع قليلة إلى التدريس والحوار والتفاعل مع طلاب قسم العلوم السياسية فى جامعة القاهرة.

فقد شرفنى القسم، الذى أعتز بالانتماء إليه وإلى كلية الاقتصاد والعلوم السياسية دراسة فى النصف الثانى من ثمانينيات القرن العشرين وعملا (متقطعا) منذ التسعينيات وإلى اليوم، بتكليفى باستكمال تدريس مقرر الفكر السياسى لطلاب الفرقة الثانية (شعبة اللغة العربية وشعبة اللغة الإنجليزية) بعد أن تعثر اضطلاعى بمهام التدريس خلال العام الأكاديمى الماضى 2013-2014.

فى محاضرتى الأولى لشعبة اللغة العربية، سجل الكثير من الطلاب اهتمامهم بالربط بين دراسة الفكر السياسى وبين تناول الواقع المصرى والعربى بالشرح والتحليل. فى محاضرتى الأولى لشعبة اللغة الإنجليزية، عبر البعض عن رغبتهم فى توظيف المعرفة التى يكتسبونها فى قاعات الدرس بهدف إفادة الناس فى قطاعات تتنوع من العمل فى المنظمات غير الحكومية إلى الإسهام فى التخطيط الحكومى. دون مواربة، حضرت وضعية الاستقطاب الراهنة فى الجامعة وفى المجتمع فى مداخلات وملاحظات طلاب تتمايز/ تتناقض آراؤهم بشأن قضايا الحقوق والحريات وبشأن قضايا الحكم/ السلطة ويجمعهم البحث عن خروج لهم ولمصر من الأزمات المتراكمة. حضرت وضعية الاستقطاب، إلا أن أغلبية الطلاب لم تقف عندها ولم تنجرف نقاشاتهم إلى ضجيج رفض الرأى الآخر ولا إلى صخب التخوين والتشويه والتسفيه وسرعان ما تبين لهم أن الأولوية هى لممارسة التسامح وللتوافق على حلول حقيقية تنقذ المواطن والمجتمع والدولة وتوفر لهم ولغيرهم فرص الحياة الكريمة والحرة والآمنة. وكمحاضر، لم أكن لأتمنى أفضل من هذه القناعات من جهة للشروع فى شرح أفكار كبرى كالحق والحرية والعدل والمساواة وأنماط العلاقة بين المواطن والمجتمع والدولة والتطور التاريخى لمنظومات الحكم/ السلطة، ومن جهة أخرى للربط بينها وبين واقعنا.

ومع دخول محاضراتى أسبوعها الثالث (الحالى)، أصبح واضحا لدى أن أغلبية الطلاب ترى فى قاعات الدرس الجامعية وفى الوجود فى الجامعة «ملاذا آمنا» لضمائرهم وعقولهم بعيدا عن ضجيج وصخب النقاش العام، والتهافت اللا نهائى لوسائل الإعلام، والتكالب المتصاعد على الحكم/ السلطة من قبل قوى ومؤسسات وأجهزة ومصالح عدة لا تشترك إلا فى النزوع للسيطرة الأحادية ولإلغاء الآخر. طلابى، ويقينا طلاب الشعب والفرق والأقسام والكليات والجامعات الأخرى، يبحثون عن المعلومة/ عن الحقيقة/ عن تسامح وتعايش جوهرهما القيم الإنسانية والانتصار لحقوق الناس وحرياتها وللسلم الأهلى/ عن توافق يتخطى وضعية الاستقطاب الراهنة ويتجاوز كارثة التكالب على الحكم والسلطة دون حضور رؤية واضحة للشروط الفعلية لإنقاذ المواطن والمجتمع والدولة/ عن عناصر معرفة وعلم وعقل تمكنهم من الإنجاز الفردى والنجاح الشخصى وتدفعنا جميعا إلى مسارات العدل والمساواة والتقدم.

تلك هى الروح التى سرت وتسرى إلى فى جامعة القاهرة، روح جسد طلابى يهتم بقضايا الوطن دون استخفاف بدوره ومسئولياته وينأى بنفسه عن ضجيج وصخب النقاش العام والإعلام والمتكالبين على الحكم/ السلطة لكى يحصل المعارف والعلوم اللازمة للإسهام فى إنقاذ المواطن والمجتمع والدولة ولكى يحافظ لضميره وعقله (فرديا وجماعيا) على الحد الأدنى من قيم الإنسانية المتمثلة فى التسامح والتعايش والرغبة فى العدل والمساواة والتقدم والالتحاق بالعالم المعاصر وفى صون الحقوق والحريات دون معايير مزدوجة. جريمة كبرى فى حق مصر حين نسكت أصوات هذا الجسد الطلابى أو نقضى على ملاذ ضميرهم وعقلهم الآمن فى الجامعة بمنعهم من التفكير الحر والتعبير الحر عن الرأى والاهتمام السلمى بكل قضايا الوطن دون قمع أو تهديد بقمع أو خوف.

المصدر

Eman Salem

كاتب صحفي ورئيس تحرير موقع الشرقية توداي
زر الذهاب إلى الأعلى