أعمدة

عمرو حمزاوى | يكتب : فقر الصعيد وفقر أطفاله

عمرو حمزاوى
وفقا للبيانات الرسمية، يعيش ربع سكان مصر تحت خط الفقر. وفقا للبيانات الرسمية، يعيش أكثر من نصف فقراء مصر فى محافظات الصعيد. وفقا للبيانات الرسمية، يعانى ما يقرب من 10 ملايين طفل مصرى من الفقر. وفقا للبيانات الرسمية، يعيش أكثر من نصف أطفال مصر الفقراء فى محافظات الصعيد.

مثل هذه البيانات تتحول إلى حقائق مجتمعية مباشرة ومفزعة وصادمة حين نقترب من قرى ومدن الصعيد ومن التفاصيل اليومية لحياة أهله. بالقطع، ليست القاهرة ولا الإسكندرية ولا المدن المصرية الأخرى فى شمال البلاد ببعيدة عن الفقر أو عن فقر الأطفال. غير أن كثافة الحياة اليومية فى المدن، وتداخل ظواهرها بين الثراء الواضح والفقر الذى يتوارى خلف الطرقات الرئيسية، وكذلك اعتياد سكان المدن على بعض مظاهر الفقر والأزمات المجتمعية كأطفال الشوارع وهم يتحركون ﻹدارة شئونهم جميعها عوامل تحول بيننا وبين الاصطدام الحاد بالفقر. وينطبق ذات الأمر على الكثير من القرى والمدن الصغيرة فى شمال مصر، حيث يتوارى الفقر خلف فرص العمل والارتزاق اليومية فى المدن الكبيرة وخلف تقاليد متماسكة للعمل الخيرى والشبكات الأهلية للتضامن الاجتماعى.

يؤلم الاصطدام بالفقر المدقع فى الصعيد. ويؤلم أكثر فقر أطفال الصعيد الذين يمنع عن آبائهم فرص العمل كل من التراجع الكبير فى قطاع السياحة وأزمات القطاع الزراعى المتراكمة وغياب الاستثمارات الحكومية واستثمارات القطاع الخاص التنموية وكثيفة التشغيل. ويؤلم أكثر وأكثر إدراك أن تقاليد وعادات الصعيد وإباء ناسه جميعها عوامل إضافية تمنع تطور شبكات أهلية قوية للعمل الخيرى وللتضامن الاجتماعى تساعد على إدارة الفقر والحد من آثاره السلبية.

فى تواصل فقر الصعيد واستمرار معاناة الكثير من أطفاله انتهاك صارخ للحقوق الاقتصادية والاجتماعية للناس وإخلال جسيم بالفكرة التنموية التى تحتاجها محافظات الصعيد بشدة ولن تقدر على دفعها إلى الأمام لا الجهود الحكومية بمفردها ولا استثمارات القطاع الخاص وحدها.

إخراج الصعيد من الفقر يستلزم حالة من التنسيق الحكومى والخاص، ولحظة ممتدة من التضامن الواسع لكى لا يترك الصعيد، حيث بدأت الحضارة المصرية ونشر النيل العظيم رخاءه على أهلها، لمصيره المؤلم الراهن. هنا مجال واسع للعمل التنموى، هنا مجال واسع للانتصار للحقوق الاقتصادية والاجتماعية للناس ونحن نواصل الدفاع عن حقوقهم الشخصية والمدنية والسياسية ونواصل توثيق وكشف الانتهاكات والمطالبة بعدالة انتقالية للمساءلة والمحاسبة.

أرجوكم دعونا لا نتخاذل عن إخراج الصعيد من فقره، فتراجع السياحة ــ باستثناء السياحة الداخلية ــ مرجح استمراره وأزمات القطاع الزراعى لن تحل إلا فى إطار منظومة تنموية متكاملة.

غدا.. هامش جديد للديمقراطية فى مصر.

المصدر

زر الذهاب إلى الأعلى