أعمدة

عمرو حمزاوى | يكتب :متى نتعلم الدرس؟

حمزاوى

فى سبعينيات القرن العشرين وإذا ما استثنينا عرب آسيا وإيران وأفغانستان وباكستان، توقفت شعوب القارة الآسيوية عن التورط فى حروب أو صراعات عسكرية ونزاعات مسلحة واسعة النطاق.

هزت الحروب آسيا فى أعقاب انتهاء الحرب العالمية الثانية (1939 ــ 1945)، من حرب الكوريتين إلى حرب فيتنام. غير أن شعوب القارة الأكثر كثافة سكانية فى العالم بدت منذ سبعينيات القرن الماضى وقد تعلمت درسا وجوديا فى أولوية السلم والعمل على إنهاء النزاعات تفاوضيا لكى تنجح فى تحقيق معدلات تنموية جيدة، وامتنعت من ثم عن التورط فى الحروب ولم تسمح للقوى الخارجية بجرها إليها، هذا إذا ما استثنينا عرب آسيا وإيران وأفغانستان وباكستان. والحصيلة الآسيوية هى تنمية مستديمة غيرت للأفضل واقع الشعوب، واستقرار ديمقراطى فى بعض الدول الآسيوية الكبرى.

تعلمت شعوب القارة الآسيوية الدرس.

خلال السنوات الماضية، وإذا ما استثنينا عرب إفريقيا فى الشمال وفى القرن الإفريقى وبعض المناطق فى وسط القارة السمراء، توقفت الحروب بين الدول والحروب الأهلية والصراعات العسكرية والنزاعات المسلحة فى إفريقيا بعد أن شهدت طوال الفترة الممتدة بين انتزاع التحرر الوطنى من قوى الاستعمار القديم فى ستينيات القرن العشرين وبين المذبحة المروعة فى رواندا فى تسعينيات القرن العشرين استنزافا مستمرا للدماء وللقدرات الاقتصادية والاجتماعية المحدودة.

لم تعد إفريقيا خلال السنوات الماضية قارة المذابح والجرائم ضد الإنسانية، ولا قارة المجاعات والكوارث المتكررة والنزوح الجماعى للسكان ومخيمات اللاجئين. تعلمت شعوب القارة الإفريقية أيضا درس الترابط العضوى بين السلم والعمل على الوصول إلى حلول تفاوضية للنزاعات وبين الشروع فى عمليات تنمية مستديمة حقيقية وإنجاز استقرار اقتصادى واجتماعى وسياسى يمكن من النظر إلى المستقبل بإيجابية.

إذا ما استثنينا عرب إفريقيا وبعض المناطق فى الوسط، تعلمت شعوب القارة السمراء أيضا الدرس.

بين سبعينيات القرن العشرين والسنوات الماضية، توقفت حروب الدول والحروب الأهلية فى أمريكا الوسطى وأمريكا الجنوبية وتمكنت بعض الدول كالبرازيل وشيلى من تقديم نماذج ملهمة للتنمية المستديمة والتحول الديمقراطى وتطبيق نظم العدالة الانتقالية لإغلاق ملفات الماضى فيما خص انتهاكات الحقوق والحريات. بين سبعينيات القرن العشرين والسنوات الماضية، نجحت العديد من شعوب أوروبا الشرقية والوسطى وإقليم البلقان من دفع إجراءات التحول الديمقراطى قدما ورفع معدلات الأداء الاقتصادى والاجتماعى للحاق بعضوية الاتحاد الأوروبى، ولم تتكرر الخبرة الدامية لحروب تفتيت يوغسلافيا السابقة والحرب الأهلية فى البوسنة والهرسك التى هزت أوروبا فى تسعينيات القرن العشرين ــ طبعا، إذا ما استثنينا الأوضاع الراهنة فى أوكرانيا وهى أقرب إلى الصراع المنضبط بين روسيا وبين الغرب فى ساحة لا يريد أحد دفعها إلى حرب مفتوحة. بين سبعينيات القرن العشرين والسنوات الماضية، تواصل استقرار الغرب فى أمريكا الشمالية وأوروبا ولم تتورط جيوش الغرب فى حروب أو صراعات عسكرية أو نزاعات مسلحة سوى فى بلاد العرب وجوارها الشرقى حول إيران وأفغانستان وباكستان.

متى نتعلم نحن العرب درس الترابط العضوى بين السلم والعمل على الوصول إلى حلول تفاوضية للنزاعات وبين الشروع فى عمليات تنمية مستديمة حقيقية وإنجاز استقرار اقتصادى واجتماعى وسياسى؟ متى ندرك أن الغرب والقوى الخارجية الأخرى والإقليمية الطامعة كإيران وتركيا وإسرائيل تفيد من حروبنا ومن الحروب الأهلية المدفوعة بجنون الطائفية والمذهبية والقبلية؟ متى ندرك أن عصابات الإرهاب تعتاش على تواصل حروبنا ودينامية تفتت المجتمعات والدول؟

غدا.. هامش جديد للديمقراطية فى مصر.

المصدر

زر الذهاب إلى الأعلى