أعمدة

عمرو حمزاوي | يكتب : هم «شارلى» أما نحن ففى خانات أخرى

عمرو-حمزاوى

دفاعا عن حرية الإبداع والفكر والتعبير عن الرأى وتضامنا مع ضحايا مذبحة شارلى إبدو، ينتفض المجتمع المدنى فى الكثير من البلدان ويجدد رفضه للإرهاب وللعنف وللتطرف. اليوم، ستشهد الكثير من المدن الأوروبية والعالمية مسيرات وتظاهرات تضامنية عنوانها «نحن شارلى»، وستخلط صفوف المشاركين فيها بين هويات دينية ومذهبية وعرقية مختلفة يجمعها الانتماء للإنسانية ولقيمها الحقة ولطلب الاعتراف بالاختلاف وقبول الآخر وممارسة التسامح. اليوم أيضا، سيتوالى إصدار بيانات إدانة المذبحة والجرائم الإرهابية الأخرى التى روعت فرنسا خلال الساعات الماضية، وإدانة غيرها من الجرائم متتالية الحدوث فى مواقع متناثرة فى بلاد العرب وآسيا وإفريقيا، وتبرئة الدين الإسلامى وعموم المنتمين له من الاتهامات بتبرير الإرهاب والعنف أو بالنزوع المسبق للتطرف، ومطالبة شعوب الأرض بعدم الانزلاق إلى خانات التطرف المضاد والعنصرية المقيتة وبمواصلة البحث عن الحرية والحق والعدل للجميع.

وأين تقف الحكومات ويقف الحكام من الحراك العالمى للدفاع عن الحرية؟ فى فرنسا والديمقراطيات الأخرى غربا وشمالا وشرقا وجنوبا، تتحرك الحكومات المنتخبة لمواجهة الإجرام الإرهابى بأدوات أمنية لا تتناقض مع مقتضيات سيادة القانون وبخليط من الأدوات المجتمعية والسياسية الأكثر شمولية والأكثر وعيا بعولمة الظاهرة الإرهابية، وتطمئن مواطنيها بعملها الدائم على حماية حقهم فى الحياة وأمنهم دون انتهاك حرياتهم وحقوقهم. إلا أن الحكومات الديمقراطية هذه لا تتصدر واجهة حراك الحرية بل تتركه للمجتمع المدنى ولمبادرات الناس المتجردة من حسابات السياسة والانتخابات وعلاقات القوة والمصالح. ولأن سيطرتها أو هيمنتها على المجال العام والإعلام ليست قائمة، فهى لا تخرج على المواطن بالرأى الواحد والصوت الواحد وتدفع موالاتها إلى تسفيه آراء معارضيها. ولأنها تدرك مسئولياتها بشأن مواجهة الإرهاب والعنف دون تقويض سيادة القانون، فهى لا تطلب من المواطن ــ خاصة بعد الخبرة الكارثية لاستغلال إدارة جورج بوش الابن لإجرام 11 سبتمبر 2001 فى انتهاك سيادة القانون ــ تفويضا استثنائيا ولا تزين له لا التوقف عن مراقبة أفعالها شعبيا ولا قبول الانتهاكات كأمر حتمى من خلال مقايضته على الأمن نظير التخلى عن الحريات والحقوق. ولأنها تحترم استقلال المؤسسات التشريعية والقضائية، فهى لا تسعى إلى انتزاع قوانين استثنائية أو إلى الإخلال بضمانات العدالة متذرعة «بحربها على الإرهاب» وبضرورات الأمن. ولأنها تتعامل بجدية ــ تتفاوت معدلاتها بكل تأكيد من حالة إلى أخرى، وتنزع بعض الحكومات إلى التنصل منها ــ مع مبادئ علمانية الدولة والفصل بينها وبين الدين ومع مبادئ تعددية المجال العام الذى يسمح به بالتعبير عن جميع الآراء شريطة التزام السلمية ومعايير الديمقراطية والمواطنة ومع استقلالية الهيئات الدينية ذات الدور القيمى والمجتمعى، فهى لا تتورط فى توظيف الدين لتبرير فعلها ولا فى استخدام الهيئات الدينية لاستصدار مقولات تدين الإجرام الإرهابى وتلتزم بصياغة خطاب رسمى «مدنى» الطابع يرتكز إلى رفض الإرهاب والعنف والتطرف كشرور تتناقض مع الأسس السلمية والديمقراطية لمجتمعاتها وتدع الهيئات الدينية لضميرها المؤسسى ولرشادتها لتخرج على الناس بمواقفها المستقلة ــ وتلك دوما ما تنبذ العنف وتدعو إلى الحرية والتسامح.

وأين تقف الحكومات ويقف الحكام فى مصر وبلاد العرب وفى السلطويات الأخرى؟ باختصار، يقفون فى المواقع والخانات العكسية، عند النهاية الأخرى للمنحنى، يقفون بطغيان للأمنى على القانونى، وبفرض للرأى الواحد وللصوت الواحد وللتأييد الأحادى كفريضة، وبتهميش للمواطن وللمجتمع المدنى ما لم يتحركا وفقا لإرادة الحكام، وبخلط مريع بين الدولة والدين لا يستهدف إلا تبرير السلطوية.

غدا.. هامش جديد للديمقراطية فى مصر.

المصدر

زر الذهاب إلى الأعلى