أعمدة

عمر طاهر | يكتب : التسليك قبل الفتح

عمر طاهر

لى صديق موسيقى مهم، وأكثر من موهوب، ويستلهم بعض أبناء جيله من موسيقاه الكثير، شاء الحظ أن نعمل معا أكثر من مرة. فى الأخيرة صنعنا أغنية عن مصر، اجتهدت فى أن تحمل معنى مختلفا، وأبدع هو فى تلحينها، وكنا نتيه بها فخرا، لكنها لسبب لا مجال لذكره هنا لم تلقَ الانتشار الذى تستحقه، هاتفنى صديقى منذ يومين وكله حماس لإعادة تقديم الأغنية، وتصويرها وتوفير كل ما تحتاج إليه حتى تصل إلى الناس، لكنه طلب منى تعديلا بسيطا فى مقطع يقول «على اسم مصر الدُعا شغال.. تتهنى مصر براحة البال»، بأن أكتب سطرا جديدا به كلمة «القنال» حتى تكون الأغنية مواكبة لحدث حفر القنال الجديدة، قلت له إننى على مدى الأسبوع الماضى كتبت عدة مقالات بها نقد للمشروع، لذلك سيصبح صعبا تلبية طلبه، تفهم صديقى وجهة نظرى، لكنه قال لى بصدق شديد «بس المشروع مهم وقوى فعلا»، قلت له هو كذلك بالفعل، لكن وجهة نظرى كانت تخص أمورا أخرى، ليس منها تقييم أهمية المشروع، كان صديقى يبحث عن مخرج فنى للمشكلة، وفى الوقت نفسه يحاول أن يفهم «إنت مشكلتك إيه بالضبط؟».

بخلاف الربط بين تسخير جهد الدولة فى المشروع على حساب احتياجات الناس الأهم، أحاول أن أمسك الخيط من بدايته، منذ أن قال شيخ الأزهر عن قرار العزل إنه «أقل الضررين»، وهو كذلك بالفعل، لكن لم تكن هناك دراسة كافية أو خطة لمعالجة الضرر الأقل إلى أن انتهى الأمر بمذبحة ترتب عليها خسائر اجتماعية وإنسانية فادحة، «أعرف إن حضرتك ستقول إنها لا تقارن بخسائر استمرار الإخوان فى الحكم، أعتقد أنه كان ممكنا تفادى هذه المقارنة من الأساس بقليل من الذكاء الإنسانى قبل السياسى».

ثم أقفز فوق قرارات كثيرة: غلاء، وبورصة، وضرائب، وتصالح مع المخالفين، والعودة إلى العمل بتوجيهات الرئيس، وتدخله المباشر لحل الأزمات لا عبر خطة واضحة للدولة، وأتوقف عند حفر القنال كمشروع قومى جديد، كنت أرى أن المشروع القومى الذى نحن بحاجة إليه هو إعادة ترتيب الأوراق بمصالحة المصريين على أنفسهم، وعلى ظروف حياتهم التى تتراوح بين الظلام والغلاء، وعودة بعض رجال الشرطة إلى قديم عهدهم. ترتيب الأوراق بإعادة الاحترام للاختلاف، والقضاء على التشويه والإقصاء، والتنكيل بأصحاب الرأى، والاستفادة من الإعلام فى التنوير قبل التوجيه الفج. خطة ما يسهل بعدها أن تحشد المصريين لصالح مشروع قومى، الحشد هو ما سيجعل إنجاز ما يحتاج إلى ثلاث سنوات يتم فى سنة، الحشد قبل الحفر أو كما قال بطل فيلم الكيف «التسليك قبل الفتح».

تقبل صديقى وجهة نظرى باحترام، ثم سألنى «طب هنعمل إيه فى الغنوة؟»، اقترحت عليه أن تعالى نخلى الكوبليه بيقول «على اسم مصر الدعا شغال.. تتهنى مصر براحة البال.. ويوم ما تتلم العيلة.. ساعتها نحفر ألف قنال»، صمت قليلا ثم قال «هاجربها فى الغنا، ولو نفعت هاقول لك»، قلت له جربها وأنا كلى يقين إنها «هتنفع».

المصدر

زر الذهاب إلى الأعلى