أعمدة

عمر طاهر يكتب : من المفكرة.. تعالَ نلضم أسامينا

عمر طاهر
عمر طاهر

هذا المقال يلخِّص بالضبط كيف كان الواحد يشعر عقب التنحى مباشرة، هذا المقال الذى نشرته بعد الـ18 يومًا بأسبوعين، كان صادقًا لدرجة تسبِّب الآن بعض الوجع، فإعادة قراءة المقال اليوم تطرح رغمًا عن أنف الواحد سؤالًا مهمًّا: كيف تبدَّلت المشاعر وكيف تغيَّرت الطموحات، على الأقل فى حدود شخصى المتواضع؟

كتبت فى مارس 2011:

لم يسبق أن شعرت من قبل بهذا الشغف المجنون لزيارة كل مدينة فى مصر، أكاد أُجَنّ وقد ضيَّعت بعضًا من وقتى فى اختيارات ساذجة عند السفر «شرم، الغردقة، الساحل، إسكندرية»، ألوم نفسى وقد انتصفت ثلاثينيتى قبل أن أُدخِّن سيجارة على شاطئ رشيد الذى قهر الإنجليز، قبل أن أتذوّق صيادية السوايسة وأشاركهم غناء السمسمية، قبل أن أتوحّد مع صحراء الواحات الداخلة والخارجة، قبل أن أقضى الليل مستمتعًا بأساطير حربنا ضد إسرائيل على لسان بدو «نخل» فى قلب سيناء، الأقصر «الغزالة المحنية»، كيف لم أَدَع لها نفسى حتى تتحقق نبوءة فؤاد حداد، فنجدها «فى إسكندرية ترسّينا»؟

كيف فاتنى أن أحضر صباحات المنزلة، وأن أقف وسط أصدقائى الدمايطة فى عقر مدينتهم، طالبًا منهم تقديم دليل ينفى ما يُشاع عن بخلهم، وأن أقضى الليل مع أصدقائى القناوية عند هويس نجع حمادى؟ كيف لم أكن موجودًا وبلبيس «بتلبس دبلتها»؟ كيف فاتنى أن أمرّ على عمال المحلة، لأقول لهم إن مدينتهم أثبتت فى ٦ أبريل أن الثورة مسألة وقت «بعد المحلة ما حلّتها»؟

كيف تكاسلتُ عن حضور مولد سيدى إبراهيم الدسوقى فى كفر الشيخ، أو مولد سيدى الفرغل فى أبو تيج، أو سيدى أبو المحاسن الشاذلى فى صحراء البحر الأحمر، أو سيدى أحمد البدوى فى طنطا؟ كيف فاتنى شرف أن أصلِّى فى مسجد سيدى الغريب؟!

كيف أقول إننى مصرى ولم تبلل قدمى مياه رأس البر وجمصة وبلطيم وبحيرتَى البرلس والمنزلة؟ ولم أختبر حلاوة القرصة الدمياطى أو طزاجة السمان البرى فى عزبة البرج، أو مزازة صينية السردين المشوى فى فُوّة أو سلطنة قوالب السكر الجلاب فى كوم أمبو، أو فتنة طاجن ثعبان البحر فى بورسعيد.

أنا المشتاق أن «أخدك يا منصورة فى باطى»، هل لى أن أقضى ليلتى فى جزيرة الورد أستمع إلى قصائد وأغنيات أصدقائى هناك، أنا الذى أتيهُ فخرًا بأسماء مدن عاشت بطولات ولحظات تاريخية، هل سيسمح لى القدر بأن تطأها قدمى لأراها بعينى لا بعيون كتب التاريخ؟ القنطرة شرق والقنطرة غرب وإيتاى البارود وبحر البقر وأبو زعبل وبورفؤاد وبحيرة التمساح والعلمين وبورتوفيق، معلبات العصائر والمربى التى طالما أنعشتنى فى الطفولة، وكانت تحمل اسمًا من اثنين «قها.. أو إدفينا»، هل يصح أن أكبر فأعرف أنهما اسمان لمدينتَين فى الدلتا، فلا أفكِّر فى زيارتهما لرد الجميل؟!

هاموت وأزور مصر، أقولها من أبعد نقطة فى قلبى وجاهز، شنطتى فوق كتافى، سجايرى فى جيبى، الكاميرا فى الجاكيت، ولا تفهمنى غلط، بس أنا أى حد يقول لى تعالَ دلوقتى.. هاروح، تعالَ نلضم أسامينا.. هل من رفيق يشاركنى الرحلة والغنوة؟

المصدر

زر الذهاب إلى الأعلى