أعمدة

فهمى هويدى | يكتب : ما وراء تنحية الخلافات

fahmi-200

إذا صح أن الرئيسين المصرى والسودانى اتفقا على تطوير العمل المشترك وعلى تنحية الجوانب الخلافية، فستكون هذه «بشرة خير». وأرجو أن تلاحظ أننى قلت «إذا صح» لأن العنوان الرئيسى لجريدة الأهرام أخبرنا بذلك، فى حين أن الإعلام المصرى ظل يتحدث بلغة أخرى طوال الأسابيع الماضية، فيها من الاشتباك والتصعيد والتقاطع بأكثر مما فيها من محاولة التفاهم والتواصل. وكان ذلك على إثر العودة إلى التجاذب بشأن مثلث حلايب وشلاتين الحدودى، الذى أعلن الرئيس عمر البشير انه جزء من السودان وخاضع لسيادته، فى حين أن مصر أعلنت أن لديها ما يثبت حقها فى تلك المنطقة. وإزاء ذلك قام الإعلام المصرى بدوره التقليدى، الذى لم يكتف بتأييد وجهة النظر الرسمية وإنما وجه سهام التنديد والتجريح للطرف الآخر، الأمر الذى أعطى انطباعا بأن البلدين بصدد الدخول فى صراع مسلح تتقطع به الوشائج وتسيل فيه الدماء.

فى هذه الأجواء تمت زيارة الرئيس عمر البشير، وجاء العنوان الرئيسى لجريدة الأهرام رصينا وحذرا. ولافتا الانتباه إلى مباحثاته مع الرئيس عبدالفتاح السيسى ركزت على العمل المشترك، وقامت بتنحية الجوانب الخلافية، وقد اعتبرت ذلك بشرة خير لأن هذا النهج يعبر عن درجة من الرشد والوعى جديرة بالحفاوة والتقدير. ليس فقط لأنه يعلى من شأن المصالح العليا. وليس فقط لأن التفاهم حول العمل المشترك من شأنه أن يخفف من وطأة أى توتر فضلا عن انه يفتح الباب لتذويب الخلافات وحل عقدها، ولكن أيضا لأن الطرف الآخر فى المحادثات لم يكن بلدا عاديا، ولكنه السودان الذى هو بأمر الجغرافيا أقرب الأشقاء إلى مصر، الأمر الذى هيأ مناخا مواتيا لنسج تاريخ عريض مشترك بين البلدين والشعبين. وما يقال عن السودان ينسحب بذات القدر على ليبيا الشقيق الآخر القابع فى الغرب. وقد كنت أحد الذين انحازوا إلى ضرورة الحفاظ على علاقات تفاهم ومودة مع البلدين الجارين فى ظل كل الظروف. ليس فقط وفاء بحق الجغرافيا والتاريخ، ولكن أيضا لأسباب استراتيجية وثيقة الصلة بالمصالح المشتركة وأمن مصر القومى.

ما همنى فى الموضوع هو تصويب النظر نحو المصالح العليا وتجنب الانزلاق فى متاهات المشكلات الفرعية، التى تفسد العلاقات وتستهلك الطاقات وتصرف الانتباه عن المصالح الاستراتيجية. وذلك لا يعنى التنازل عن الحق، وإنما يعنى تجنب التنازع والحذر فى إدارة الخلاف، مع إعطائه حجمه الطبيعى وتحديد ترتيبه فى قائمة أولوية العلاقات. وذلك كله لا يتحقق إلا فى ظل وضوح الرؤية الاستراتيجية، مع تجنب البعد عن الاستسلام للانفعال أو حملات الإثارة الإعلامية. خصوصا بعدما قويت شوكة الإعلام وأصبح سلاحا فى الحروب السياسية الباردة.

المفارقة تبدو مثيرة للانتباه. ذلك ان موضوع النزاع حول حلايب ظل محلا للتجاذب بين القاهرة والخرطوم خلال الأسبوعين الأخيرين بوجه أخص، ثم حين جاء الرئيس البشير إلى القاهرة أعلن انه تمت تنحية المسائل الخلافية فى المباحثات التى جرت بينه وبين الرئيس السيسى. وهى التى لا تقتصر على موضوع حلايب لأن ثمة لغطا حول موقف السودان من قضية سد النهضة الإثيوبى. إضافة إلى أن هناك تفصيلات كثيرة تتعلق بالتزام مصر باتفاقية الحقوق الأربعة مع السودان وبالتجارة البينية والمعابر الحدودية بين البلدين.

ولأن قائمة العناوين طويلة فإننى أرجح ان الملفات المتعلقة بالعلاقات الثنائية التى قد تركت لمباحثات الوزراء المختصين على الجانبين. أما اجتماع الرئيسين فإنه عقد لمناقشة القضايا الإقليمية وليس العلاقات الثنائية. وقد ألمح إلى ذلك المتحدث الرسمى لرئاسة الجمهورية الذى نقلت عنه الأهرام أمس قوله ان «الملف الليبى حاز اهتماما خاصا فى مباحثات الرئيسين»، مشيرا إلى أهمية دعم المؤسسات الشرعية الليبية وفى مقدمتها الجيش الوطنى، الأمر الذى يعد خطوة باتجاه الاحتشاد الإقليمى لمساندة أحد طرفى الصراع فى ليبيا، فى مواجهة التحرك الذى تقوده الجزائر لإقامة حوار بين مختلف الأطراف.

فى حدود معلوماتى فإن مباحثات الرئيسين تطرقت أيضا إلى موقف السودان من حالة الاستقطاب الإقليمى التى برزت فى العالم العربى بعد عزل الدكتور محمد مرسى، خصوصا ان نظام الرئيس البشير له خلفيته الإسلامية، وظل طوال الفترة الماضية يقف على الحياد خارج دوائر الاستقطاب التى تشكلت.

المصدر

زر الذهاب إلى الأعلى