أخبار العالم

 في ذكرى «محمد محمود»…يكمل «معوض» عامه الثالث في غيبوبته

معوض عادل معوض

جسد هدأ من آلامه، سكن على سرير احتضنه متلاشيًا أوجاعًا كثيرة، أوجاع وطن أوجاع شعب وأوجاع جسده النحيف، طال هدوؤه الذي أكمل عامه الثالث، ولم يهدأ أنين أمه أو دعوة أبوه، ما زال متمسكًا بحياة كادت وما زالت تخذله، روحه تقاوم وجسده يعافر، تمامًا كقلة شباب نزلوا في ثورة يتنفسون هواءها، شهيد حي وصفوه، يعيش ولكن في عالم آخر والجميع ينتظر تلك العودة، التي ربما تكون ضربة أخرى يتوقعها كثيرون.

“غيبوبة” ما زالت روح معوض عادل معوض تهيم فيها، خطفته من وسط أحبته ولم تخطفه من الدنيا، عنيد معها لا يستسلم لها، ولعله يردد على لسان “درويش” في عالمه الساكن “أنا في حضرة الذكرى، صدى الأشياء ينطق بي، فأنطق”، في ذكرى محمد محمود الثالثة، يكمل “معوض” عامه الثالث في غيبوبته التي لم يفق منها سوى مرة واحدة، وما زال ينتظر الجميع فيها نطقه.. متشبثين بأطراف ثوب أمل، تقترب ألوانه من البهتان من طول الانتظار، ولكن يغلف كل هذا الأمل إحباط دفين، فثلاثة أعوام ضربت أحوال مصر في خلاط وأتت بثمار جديدة، كما لا يتوقع أحد رد فعل “معوض” عند سماع كيف دارت كل تلك الأحداث.

بصوت رقيق لا يشوبه يأس قالت الحاجة نجاة، والدة معوض: “كان نازل يسعف المصابين الموجودين في محمد محمود، ووقت ما كان شايل مصاب في المستشفى الميداني، وبيجري على عربية الإسعاف، انضرب بالرصاص الحي في راسه”، دعاء مستمر وتوسل إلى الله انتهجته والدته ولم تنصرف عنه طيلة سنوات غيبوبة ابنها، أكملت: “معوض بيتعالج دلوقتي في لندن على حساب المجلس القومي لرعاية المصابين وأسر الشهداء، الدكاترة بيقولوا إن حالته اتحسنت وبقت أحسن من الأول، ولو كان سافر بدري كانت حالته اتحسنت أسرع”- بحسب كلامها، لم يفق تمامًا ولا يرقد في غيبوبة كاملة.. هكذا أكدت والدة معوض، تطمئن قلبها وقلب من يقفون خلف ابنها بالدعاء.

آمنت المدينة التي خرج منها الفتية، وهلك الملك الظالم، وجاء مكانه رجل صالح، وفرح الناس بالفتية المؤمنين، فبعد نوم دام ثلاثمائة وتسع سنة، وعند بعثهم ثانية وجدوا الأمور قد تبدلت على هذا النحو المغاير، اختلفت العصور والأزمنة وانتهى عصر المعجزات، إلا أن التاريخ يعيد نفسه، فكان السؤال “كيف يستقبل معوض بعض إفاقته كم الأحداث المتناقضة والتخبطات التي حدثت، منذ رقوده في محمد محمود وحتى هذه اللحظة؟”، ما كان لوالدته سوى أن تقول بعد تنهيدة طويلة “مش هحكيله أي حاجة، هخده في حضني وهخليه ينسى الفترة دي كلها، هاخده في حضني ومش هخليه يعرف حاجة ولا يسمع حاجة ولا يتكلم مع أي حد”، خلد أهل المدينة الفتية ولم يذكر أحد الملك الظالم وانطمس اسمه “وقالوا ابنوا عليهم بنيانًا ربهم أعلم بهم”، وما زال الجميع يرددون باسم “معوض” وغيره من المصابين وقبلهم شهداء انطلقت روحهم من بوتقة القهر إلى حرية خالدة.

وجدت والدة معوض، طالب الصيدلة، أن استيعابه لأحوال البلد في هذه الفترة لن يكون هينًا، فقالت “مش عايزينه يعرف أي حاجة خلاص، كفايانا كده”، مكتفية بشكر الله على عودة فلذة كبدها ثانية لها، فما كان للذهن سوى أن يتخيَّل وهي تتحدث مشهدها وهي تحتضن صغيرها العائد وتبكي فرحة وهي تقول كما أخبرتنا “الحمد لله يا معوض إن ربنا نجاك، وإنك رجعتلي تاني”، في لحظة ينسى فيها الجميع أي إحباطات تعرض لها جيل طالب بحريته، ودفع حياته ثمنًا لمطالبته بحقوقه، ولم ييأس قط.

لا يهمهم أحوال البلاد الآن وكيف وإلى أي مدى وصلت، وكيف سيحكونها له، بل أعينهم منصبة عليه وقلوبهم داعية له بالإفاقة أولا، “الكلام ده سابق لأوانه جدا” بدعوة طيبة بالشفاء قالها نبيل عصام، أحد أصدقاء معوض المقربين، مشيرا إلى إنه بعدما يفوق معوض من غيبوبته، لن تسمح حالته باستيعاب ما سوف يحكى له، فصحته لن تقوى على تبادل الأحاديث وسماع أحوال وتفاصيل كثيرة، فبعد أن كان “مخه مدمرا”، أصبح يدرك الأمور من حوله تدريجيا، ولكن رجوعه بالصورة التي يتخيلها الجميع أمرا معقدا لأن يجلس ويسمع ويغضب، فهو بالآخر ليس أمرا هاما، بل الأهم أن يعود ويفيق من غيبوبته.

المصدر

 

زر الذهاب إلى الأعلى