قصة أشهر سفير مصري لدى إسرائيل: اتضح بعد 14 عامًا في تل أبيب أنه «ضابط مخابرات»
داخل أسرة متوسطة الحال، نشأ السفير، محمد بسيوني، عام 1937 في قرية «كفر الباجور» بمحافظة المنوفية، والتى قال عنها في مُذكراته: «كانت قريتنا صغيرة مترابطة، متحابة، الكنيسة بجوار المسجد، والشيخ يتعانق مع القسيس، حياة لا تعرف الحقد أو الضغينة أو الطبقية، الكل يستيقظ مبكراً ليصلى الفجر، ثم يذهب إلى حقله، ويعود فى نهاية اليوم ليجلس قليلاً مع أولاده، أو يتزاور مع أهله وأحبائه، ثم ينام ليستيقظ مبكراً أيضاً، ومازالت عائلة (بسيونى) فى كفر الباجور ملء السمع والبصر».
كانت تحكي لهُ أمه أيضًا أن أهالي القرية يعشقون أولياء الله الصالحين، ويذهبون لزيارة أضرحتهم وعلى رأسهم، الإمام الحُسين والسيدة زينب، وفي أحيان أخرى يقيمون الموالد ويتزاورون في الأفراح والأعياد، وكانوا بمثابة رجل واحد أو مثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منهُ عضو تداعى له الباقي، وفقًا للمذكرات التى نشرتها «الأهرام» عن «بسيوني».
كان والد «بسيوني» يعمل قاض في إحدى المحاكم، والذى توفى في سن 45 عامًا، ويمتلك منزلا مكوّنا من 3 طوابق في حدائق القبة، وبالتالي كمّا قال في أحد الحوارات الصحفيّة: «التحق بمدرسة القبة الثانوية التى كان يطلق عليها البكالوريا، وفى هذه المرحلة المهمة كنت صديقا للتلميذ النجيب فاروق الباز، حيث كنا – ونحن تلاميذ – (زمايل) دكة».
وأضاف: «وكان الباز – كما يقول السفير بسيونى- طالبا مجتهدا منضبطا يقضى كل وقته فى معمل المدرسة، كما أنه كان يتطلع إلى الأفضل دائما ولا يصاحب إلا الطلبة المجتهدين، وأتذكر أن موجه العلوم تنبأ له بمستقبل مشرق، وهو ما حدث بالفعل، حيث أصبح د. الباز الآن ملء السمع والبصر لكونه مديرا لوكالة ناسا الفضائية فى أمريكا».
وبعد وفاة والد «بسيوني»، تولى شقيقه الأكبر مهمة تربية أخوته، «فؤاد» الذى حصل على بكالوريوس العلوم قسم جيولوجيا، وأخيرًا «بسيوني» الذى التحق بالكلية الحربية، وتخرّج فيها عام 1950، بعد أنّ مر بسنة «كبيسة» في الكلية حسبْ وصفه: « فى عام 1956 كنت فى السنة النهائية، وكانت سنة كبيسة بكل المقاييس حيث هاجمت قوات العدوان الثلاثى فرنسا وبريطانيا وإسرائيل المدارس والمبانى ودور العبادة ولم تفرق بين كنيسة أو مسجد».
وأضاف: «كما هاجمت القاذفات المقاتلة مقر الكلية الحربية فى القاهرة، وفقد الكثير من الزملاء أرواحهم، أما أنا فقد نجوت من الموت بأعجوبة ببركة دعاء الوالدين، وقدرة الله التى شاءت لى البقاء على قيد الحياة، ووقتها قررت القيادة العامة للقوات المسلحة نقل مقر الكلية الحربية إلى أسيوط».
التحق «بسيوني» بعدها بصفوف الجيش المصري، ثم المخابرات الحربية، وفي حرب أكتوبر 1973، كان ضابط الاتصال بين الجيشين، المصري والسوري، ثم عُين بعد الحرب كملحق عسكري في سفارة مصر في طهران.
عمل «بسيوني» في المخابرات، وهو ما أهله للعمل كنائب لأول سفير مصري في تل أبيب، سعد مرتضى، عقب توقيع اتفاقية «كامب ديفيد» بين مصر وإسرائيل، ثم سحبت مصر سفيرها من تل أبيب، تحديدًا عام 1982، احتجاجًا على اندلاع حرب لبنان، وعندها كُلفَ بإدراة السفارة حتى عام 1986.
بعد أنّ قضى «بسيوني» مدة ليست بقصيرة ولا طويلة، صدر قرار رسمي بتعيينه سفيرًا لدى إسرائيل، في العام نفسه، في مثل هذه الأيام من شهر سبتمبر، وعُرف عنه أنه من أبرز الشخصيات العامة في تل أبيب، وكانت له علاقات متوغلة في المجتمع الإسرائيلي، وكانت أبرز الأزمات التي مر بها بسيوني اتهام راقصة إسرائيلية تدعى شلوميت شالوم له بمحاولة التحرش بها واغتصابها، إلا أنه تم حفظ ملف التحقيق وأيضا الدعوى المدنية التي قدمتها ضده الراقصة الإسرائيلية.
عُرف «بسيوني» بأنه من أشهر السفراء لدى إسرائيل، حيثُ كشف عدد من الأسرار، حسبْ وصفه في مذكراته ولقاءاته الصحفيّة، مثل الطرائف التى تقول: «إن تأثير أشرف مروان على صانع القرار الإسرائيلى أن جولدا مائير رئيس الوزراء أيام حرب كيبور لم تصدق أحد الملوك العرب، الذى تطوع من نفسه وسافر إلى إسرائيل سراً ليبلغ جولدا بنية مصر وسوريا فى شن حرب وشيكة على تل أبيب، وكانت المفاجأة أن جولدا لم تصدقه، لأن ما لم يقله أشرف مروان لا يُستمع إليه».
وأضاف أن أشرف مروان، صهر الرئيس الراحل، جمال عبدالناصر، كان عميلاً إسرائيليًا وليس عميلاً مزدوجًا، بعكس ما صرّح به الرئيس المصري السابق، محمد حسني مبارك.