مقالات

متولي عبد الغني| يكتب: لماذا التعصب والغلو باسم الدين

التطرف
متولي عبد الغني

التعصب هو عدم قبول الحق عند ظهور الدليل بناء على ميل إلى جانب، فهو ظاهرة قديمة حديثة ترتبط بها العديد من المفاهيم، كالتمييز العنصري والديني والطائفي والجنسي والطبقي، داء عضال وخطر داهم يقضي على معاني الإنسانية.

داء يصيب الفرد والأمة والمجتمع حينما يستفحل ويتفشَّى فإنه يفتك في الناس فَتْكًا، فإذا ذَرَّ قرنُه فإنه لا يفرِّق بين متعلم وغير متعلم، ومتحضر وغير متحضر، ومتدين وغير متدين، هو أحد مصادر الغرور، ومنابع الظلم، وأسباب الكراهية، وطرق الفساد والإفساد.

التعصب غلو وتطرف وكراهية وفُرْقَة وضلال وشحناء، انقياد عاطفي مقيت لتصورات ومفاهيم ومسالك تتعارض مع الحق والعدل والموضوعية.

التعصب حماس أعمى ومشاعر جارفة وأحكام مسبَقَة واستهانة بالآخرين، فهو خضوع مطلق وسير من غير بصيرة مع الجماعة أو الفئة أو الحزب، أو القبيلة أو الطائفة أو العِرْق.

فهو غلو في التعلق بالأشخاص، والتمسك بالأفكار والإصرار على المبادئ، لا يدع مكانًا للتسامح، ولا مجالًا للتفاهم، ولا فرصةً للقبول.

التعصب ينطلق من تصورات مسبَقَة في تصنيف الناس والمجتمعات إلى فئات دينية وعرقية ومذهبية وقبلية وسياسية وفكرية ومناطقية ورياضية وغيرها.

كما أن حقيقة التعصب هو عدم قبول الحق ممن جاء به، مع ظهور دليله بسبب ما في النفس من أغراض وأهواء وانحياز، التعصب دفاع بالباطل حينما يرى المتعصبُ أنه هو الذي على الحق دائمًا بلا حجة وبلا برهان، وغيره هو المخطئ دائمًا.

وهو الذي على الباطل دائمًا، ولو كان معه الحجة والبرهان، والعناد والانغلاق والتحجر وعدم التوافق ورفض التعايش كلها أنواع من التعصب، وكلها تمد صاحبها بأسباب الكراهية والشحناء وتفوت فرص الاجتماع والتآلف وحل المشكلات والبناء والتعاون.

والتعصب لا يجتمع مع التسامح والانفتاح وقبول الآخر، قهو عدو مستتر لم يدرك كثيرٌ من الناس خطورتَه الماحقةَ وآثاره المدمرة، وكم أثارت النعرات العصبية من جماعات تعتقد أنها هي الوحيد التي يحق لها التكلم باسم الدين والإسلام.

وتستخدم الدين في الوصول إلي مطامع وأغراض سياسيه أثارت هذث النعرات من حزازات سياسية بشعارات عقائدية وتترست بنداءات دينية فأنبتت فرقة وتحزبًا وتشرذمًا.

وكم أدى التعصب في درجات شديدة إلى التمييز والتصنيف والعدوان والقتل، وقد يصل إلى الإبادة الجماعية عياذًا بالله، كما يؤدي إلى التشريد والتهجير والنفي، ويقود التشويه وإساءة التفسير وتجاهل الحقائق والوقائع.

وإن للتعصب أضرار جسيمه ليس على الفرد والمجتمع فقط بل في تشويه صورة الإسلام والمسلمين أيضًا، وإن أضراره وخسائره ومساوئه قد سوَّدت صحائف التاريخ.

وكم وَاجَهَ الأنبياءُ -عليهم السلام- والمصلحون من عوائق في طريق هداية الناس، وإصلاح البشرية، وقائدُ ذلك ورائدُه التعصبُ، وقد قال إمامهم ورائدهم إلى النار: «مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ» [غَافِرٍ: 29].

وبسبب التعصب سُفكت الدماءُ وضاعت الحقوق وفشى الظلم، كما هو هدرٌ لطاقات الأمة، بل يعد من أعظم معوقات التنمية؛ فإذا دخلت العصبية خطط التنمية فَقُلْ: على أهلها السلام، وسواء في ذلك الاقتصادية أو التعليمية أو الإدارية أو الثقافية أو الدينية أو غيرها.

إن تشخيص الداء والكشف عن المرض هو السبيل الأقوم والطريق الأنجع للعلاج ومحاصرة آثار المراض السلبية في المجتمع وفي الحياة إذا فلا بد من النظر في أسباب ظهور التعصب ومثيرات العصبية، ويأتي في مقدمة هذه الأسباب التربية والنشأة الاجتماعية.

فمن نشأ في بيئة تغذي العصبية فإنها تنتج متعصبين؛ مما ينتج عنه الظلمُ والتطاولُ والفجورُ في الخصومة والإقصاء؛ فالإنسان لا يولد متعصبًا، ولكنه يأخذ ذلك بالتقليد والتلقي والتربية.

ومن أهم أسباب ظهور التعصب، غياب القيم والأخلاق من العدل والإنصاف والتجرد والمساواة؛ مما يولد العدوانية والكراهية والانكفاء إلى الفئات والانحياز إلى الجماعات، ومن ذلك الغلو في الأشخاص من العلماء والمشايخ والكبراء ورؤساء المجتمع.

ومن أعظم الأسباب وأكبرها إثارة الخلافات المذهبية والنعرات القبلية والتمايزات المناطقية والإقليمية؛ ومن ثم تثار معها مشاعر الأحقاد والكراهية وبخاصة حينما يجترُّون أحداثًا تاريخية سالفة عفا عليها الزمن لم تكن في وقتها مما يُحمد أو يشرِّف.

فكيف وقد دفنها الزمنُ ويريد هؤلاء غير الحكماء أو المغرضون المفسدون إحياءها وإثارتها، وإسقاط الحاضر على ذلك الماضي غير المجيد ولا الشريف.

وهذا المسلك المنحرف يستنزف القوى ويهدر الطاقات ويفرق المجتمع ويشتت الأهداف ولا ينتج إلا عصبية مقيتة وتوجهات متطرفة ومسالك موغلة في الغلو ويحرمون المجتمع من أن يجتمع على مودة ورحمة وأخوة، ومن هنا تذهب ريح الأمة وتستباح بيضتها، وتفتح الأبواب مشرعة للأعداء يدخلون عليها من كل باب، طعنًا في الدين وَغَمْطًا للمكان ونهبًا للخيرات وتقطيعًا للأوصال.

ومما يلفت النظر مع الأسف أن بعض القنوات الفضائية وأدوات التواصل الاجتماعي تتبنَّى مثلَ هذا بقصد أو بغير قصد في أقتروحات وتغريدات ومن خلالها تثور الخلافات المذهبية والعصبية القبلية والتمايزات المناطقية والفتن الحزبية وهؤلاء جميعًا مع الأسف لا ينقصهم إرث تاريخي يؤجج مثل هذا، بل إن الإعلام المشبوه هذه هي بضاعته وهؤلاء هم جنوده.

قال صلى الله عليه وسلم-: «لَيْسَ مِنَّا مَنْ دَعَا إِلَى عَصَبِيَّةٍ، وَلَيْسَ مِنَّا مَنْ قَاتَلَ عَلَى عَصَبِيَّةٍ، وَلَيْسَ مِنَّا مَنْ مَاتَ عَلَى عَصَبِيَّةٍ»،صدق رسول الله صلي الله عليه وسلم.

المقال لا يعبر بالضرورة عن الشرقية توداي بل يعبر عن كاتبه

زر الذهاب إلى الأعلى