رأي

محمد الجمال | يكتب : من خرقها ليغرق أهلها

المستشار محمد الجمال

القضية الفلسطينية جرح دامى فى قلوب المصريين والعرب والمسلمين نعيش مع ألامها منذ وعد بلغور زمن الحرب العالمية الأولى (1915 – 1919) وفتح الباب لهجرة اليهود من أوربا ودول العالم للاستيطان فى فلسطين تحت سمع وبصر سلطة الانتداب البريطانى والدول الغربية التى مكنت الحركة الصهيونية العالمية من بناء المستوطنات اليهودية وتسليحها بكل أنواع الأسلحة لإرهاب العرب واغتصاب أراضيهم بكل الحيل والوسائل وتوظيف المال اليهودى وما أكثره لإغراء ضعاف النفوس أو الطيبين من الفلسطينيين لبيع بيوتهم ومزارعهم وأراضيهم حتى تمكن اليهود من تثبيت أقدامهم فى كل مدن وقرى الساحل الفلسطينى فى يافا وحيفا وعكا وتأسيس مدينة تل أبيب وفى الداخل وبخاصة القدس الشريف، حتى إستفحل الورم السرطانى اليهودى فى الجسد الفلسطينى والعرب مكبلين بالقيود التى وضعتها جيوش الاحتلال الجاثمة على أراضيهم فى مصر والشام والأردن والعراق وبالحدود التى رسمتها اتفاقية (سايكس – بيكو) بعد فصلهم عن الدولة العثمانية المنهزمة فى الحرب العالمية والحكام المعينين من قبل سلطات الاحتلال دون أن تكون للشعوب حرية اختيارهم ووفرت الحماية لهم وتولت تدريب وتسليح جيوشهم.

لماذا نخجل من ماضينا ونضع رؤوسنا فى الرمال؟ يا أهل فلسطين اليوم تعجز السفينة عن الإبحار إلى شاطئ الأمان، بسبب خرقها لإغراق أهلها فمنذ عام النكبة 1948 وأنتم مع جيرانكم أشقائكم العرب تنزحون الماء من داخل السفينة الفلسطينية لتظل طافية لتستطيعوا إستنشاق الهواء هذا الوضع الشائك أوجدته عوامل فى داخلنا نحن العرب وعوامل خارجية يضعها اليهود والقوى الاستعمارية الغربية، العوامل الدولية معروفة للجميع منذ اعتراف الأمم المتحدة بدولة إسرائيل على الأرض العربية وتوفير الحماية لها، فلولا المساعدات العسكرية والمالية والبشرية الغربية ما ظلت إسرائيل إلى اليوم فى قلب العالم العربى أنها ببساطة رأس حربة لهم فى المنطقة لضمان حماية مصالحهم فيها.

أما العوامل الخاصة بنا نحن العرب فعلى رأسها التشرذم والاختلاف وعدم القدرة على التعاون مع بعضنا ولكونى إعلامياً تعاونياً ومتخصصاً فى هذا المجال فسوف أسلط الضوء على حقائق تاريخية تكشف مدى ضعفنا وقوة عدونا التى مكنته من رقابنا، ففى عام 1945 قبل إعلان قيام دولة إسرائيل بثلاث سنوات سافرت بعثة الاتحاد التعاونى بالقاهرة بتكليف من وزارة الشئون الاجتماعية المصرية للإطلاع على حالة الجمعيات التعاونية فى فلسطين وكانت اللجنة مكونة من رواد التعاون أحمد الدمرادش تونى، والدكتوريحيى الدرديرى ، ,أحمد منير ومن يطلع على تقرير تلك اللجنة التى عثرت عليه فى مكتبة الرائد التعاونى الكبير محمد الجمال  يكتشف عوامل نجاح وانتصار اليهود وفشل وهزيمة العرب، لقد  زارت البعثة دائرة التعاون بالقدس وقابلت مفتش قسم العرب عبد الحميد أفندى يس ومفتش القسم اليهودى مستر بلومن الذى مكنها من زيارة الجمعية التعاونية للنقل بالسيارات لمدينة القدس (امكاشير) اليهودية وهناك وقابلت مديريها المستر لخمان الذى أطلعهم على سجلاتها منذ تأسيسها عام 1933 ونجاحها وامتلاكها لكل السيارات العامة بالقدس (قبل تقسيمها) وللجمعية مدرسة ومكتبة يهودية لتعليم الأعضاء ورفع مستواهم الأدبى والفنى كما أنشأت جمعية تعاونية استهلاكية وزارت البعثة جمعية (هلفا وخيساخون) للتسليف والادخار التى تأسست عام 1919 وبلغ عدد أعضائها 4800 عضو عام 1944 وجمعية الطباعة التعاونية (أهفا) التى أسها اليهود عام 1937 وكانت تخصص 20% من أرباحها للخدمات الاجتماعية وجمعية مستشفى (هداسا) التعاونية الاستهلاكية التى تأسست عام 1942 .

لقد أسس اليهود مطاعم تعاونية وجمعيات زراعية وأخرى لتجارة الجملة (هماشير هما ركزى) التى تأسست عام 1918 وجمعيات لبناء المساكن وأثبت تقرير اللجنة أن مدينة تل أبيب لا يوجد بها تجار لأصناف البقالة بل جمعية تعاونية استهلاكية فقط كما يهتم اليهود بنشر التعليم التعاونى والثقافة التعاونية بين كافة الأجيال اليهودية فى فلسطين أما عن العرب فقد جاء فى التقرير أن اللجنة زارت جمعية خان يونس الزراعية وجمعية الهلال التعاونية للنقل بالسيارات التى كانت تحت التصفية عام 1939م إلا أنها تمكنت من النهوض ثانياً بعد عثرتها عام 1944 وجمعية أصحاب المراكب التعاونية فى يافا وجمعية موظفى الحكومة والسكة الحديد هناك كما زارت جمعية العمال العرب فى حيفا وجمعية عين الزيتون فى عكا والجمعية التعاونية للسيارات العربية بحيفا ما أحوجنا لقراءة تاريخنا دون خجل فلا حياء فى العلم فلن ينصلح حالنا إلا باكتشاف عيوبنا ومعرفة أين يكمن النقص لعلاجه قراءة هذا التقرير واجب وطنى نتعلم منه الكثير مثل قوله (لقد حقق اليهود نجاحاً عظيماً فى ميدان التعاون أى ميدان الاقتصاد والاجتماع حيث نمى لديهم الشعور بقيمة الاعتماد على النفس، وتبادل المسئولية، وقيمة العمل الجماعى لتحقيق الغايات العامة).

أما عن العرب فقد جاء فيه (عرب فلسطين لم يسارعوا إلى الأخذ بأسباب النظام التعاونى إلا متأخرين، فتأسست أول جمعية لهم عام 1924 تم تصفيتها عام 1927 أما الجمعية التعاونية الثانية فتأسست عام 1930 وتم تصفية فى العام التالى 1931 والثالثة عام 1937 انتهت بسبب خلافات بين الأعضاء. وفى عام 1933 تكونت 8 جمعيات منها واحدة لمصدرى الموالح وتم تصفية تلك الجمعيات جميعاً، اللهم إلا واحدة لم تتمكن من إدارة أعمالها بنجاح) هكذا كشف لنا التقرير واقع العرب المرير لقد قامت الشقيقة الكبرى مصر بدق ناقوس الخطر فى ذلك الحين ولم تجد أذن تسمع أو قلب يلين اللهم قد بلغت اللهم فشهد.

المصدر | الشرقية توداي

زر الذهاب إلى الأعلى