مقالات

محمد رأفت| يكتب: كن طبيب نفسك

رأفت يكتب لموقع الشرقية توداي

في بداية حديثنا حتى نتعاون سويا في كيفية التشخيص لأي إضطراب أو مشكلة نفسية نواجهها يجب أن نتعلم ونميز الفرق بين 3 أنواع من الإضطرابات النفسية «إضطرابات التكيف AD، وإضطرابات الأسى , وكرب ما بعد الصدمه PTSD».

«إضطرابات التكيف» :

هو يحدث لنا جميعا تقريبا بإختصار كما هو موضح من إسمه هو قائم على حالة من الإعتراض وعدم الرضا عن الوضع الحالي، مثلا كمجموع الثانوية العامة، أو دخوله جامعة أو كلية غير التي كان يتمناها الشخص أو عنده حالة من عدم الرضا عن وزنه وجسمه في كلا الحالتين إذا كان يريد زيادة وزنه أو انقاصه أو شكل الجسم بشكل عام.

يصاحب هذا الإضطراب بعضا من الأعراض التي نعتبرها هي مؤشرات وعلامات لإصابته بهذا الإضطراب منها القلق، الأرق ، وحالة من حالات جلد الذات وكثرة العتاب الزائد عن المرغوب فيه ، حتى أنه قد يعتدي على نفسه بأن يضرب يده في جسم صلب، أو يؤذي جسده بأي شكل من الأشكال، كما أيضا يجد نفسه يفضل ويرتاح في العزلة أكثر من تواجده مع المجموعات لأنه يلقى في نفسه أنه غير قادر على التفاعل مع الآخرين .

كما أن التفكير الزائد «over thinking» يبدأ في أخذ أغلب وقته خاصة في حالات سكونه أو قبل النوم أثناء الإستلقاء على السرير ليلاً في حالة إضطرابات التكيف «ADD» يجب أن يبحث عن تدخل وعلاج لما يعاني منه إذا حالته أوقفت حياته وجعلته لا يمارسها كما كانت سابقاً فممكن أن يأخذ مشورة من لديه خبرة إيجابية في مشكلته أو شخص مختص في المجال النفسي أو شخص تفكيره موضوعي أي يركز على المحتوى مع الإستخدام العاطفي المحدود في الكلمات فأصحاب التفكير الموضوعي الذي أتحدث عنهم هم من إذا إستخدم العاطفه في كلماته فقط حتى يكون أسلوبه لبق ودبلوماسي، وليس في حل المشكله والقرارات.

 الأسى وإضطراباته :

وهي مرحلة أعلى من إضطرابات التكيف ولكن الأسى يبدأ غالبا بإضطراب تكيفي ثم ينتقل بعد ذلك إلى الأسى هو غالبا يحدث مع حالات الوفاة خاصة حالات الوفاة المفاجئة وليست المرتقبة أو المتوقعة نتيجة مرض مثلا غالبا يصاحب الأسى بعض الهلاوس الحسية مثلا شخص مر بتجربه وفاة لإنسان عزيز عليه أو قريب من قلبه , نجده يسمع صوته من وقت لأخر كأنه ينادي عليه كما كان ينادي سابقا أو يشم رائحته أو حتى يراه جالسا في المكان الذي إعتاد الجلوس فيه .

ما سبق في إضطرابات الأسى نعتبره عادياً ويصاب به أي إنسان ولكن عندما ينطبق أمرين، الأول : أن لا تستمر هذه الحاله أكثر من 6 إلى 8 أشهر كحد أقصى الثاني أنه إذا جاءته هذه الهلاوس يقوم بإستعادة الواقع ويتذكر بعدها مباشرة أن ذلك الشخص قد فارقه وأن هذه مجرد أوهام « في هذه الحاله قد يتدخل فيها الدواء الكميائي إذا لم تبدي الحاله أي استجابه للعلاج المعرفي السلوكي »

في كل مال سبق وكل ما سوف نكمل الكلام فيه، أن نفس التجربة قد يمر بها اثنين لكن درجة إستجابتهم وتأثر بهذه التجربة يختلف من واحد للآخر، وذلك على حسب تركيبته النفسية، وإدراكه، ونشأته، والعوامل الوراثية وخاصة ما نسميه (ego strength ) وهي قوة الأنا في شخصيته والتي فيها (هويته النفسية، قيمه وعاداته وتقاليده، ودرجه إيمانه بالله، وتقديره لذاته وثقته بنفسه )

نتحدث الآن عن «كرب ما بعد الصدمة PTSD» :

اجمع أغلب الأطباء والأخصائين النفسيين، أن المرور بأزمه معينة يظهر الإضطرابات النفسية التي فيك وكأن الأزمات تظهر معدن كل إنسان بالفعل .

يوجد شرطين حتى تمر بما يسمى بكرب ما بعد الصدمة : الأول : الشعور فيها بالعجز التام، الثانية : أن يكون ذلك الكرب أكبر من قدرته في العنصر الثاني أعلم أن الله قال «لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا » ولكن ما أتحدث عنه هنا هو فعلا أمر غير متوقع تماما مثل :«حالات التعذيب، الإغتصاب ، الحروق الشديدة من الدرجة الثالثه ، الحروب والدمار» .

من أعراض كرب ما بعد الصدمة التوتر، الخوف الزائد ،حالات من الفزع تشبه الـ «panic attack» هي حالات خوف مبالغ فيها تكاد تكون هستيرية يتحول الإنسان إلى ما نسميه بالشخصية التجنبية وهي شخصية تبتعد عن التواصل بينها وبين الناس تمامًا يبتعد عن كل ما يجعله متفاعلا مع الآخرين .

في حالة ال«PTSD» تكون الشخصية التجنبية موجهه أكثر إتجاه كل ما يخص ألكرب الذي يمر به، مثلا إذا كان في كربه بسبب حروب، تجعله كلما سمع صوت طلقات نارية أو صوت طائرات حربية، يصاب بالفزع والخوف الشديد، ويقوم عقله بإسترجاع كل الألم والوجع الذي مر به وهذا سيقوم عقله بممارسته بالفعل ونسميه «flashback» وهي تكون في صورة ومضات إرتجاعية للماضي

ما هو العلاج ؟

العلاج المعرفي السلوكي CBT

هو علاج قائم على تصحيح الأفكار والمعتقدات اللاعقلانية والتي قد تكون غير منطقية ناتجة عن النظرة الإدراكية لهذا الشخص التي أدت لتغير ردود أفعاله وسلوكه تناسبا لما حدث داخل إدراكه من تغيير للواقع وتشويه له.

الفكرة في العلاج المعرفى هو أنه يركز على أصل المشكلة منذ نشأة الفكرة داخل رأسك وليس فقط يتعامل مع نتائجها والتي تظهر في السلوك الخارجي.
مثال حتى أوضحه لكم بصورة مبسطة :

تعالوا نتخيل أسرة داخل المنزل مكونة من زوج وزوجه وأبناء، أحد هؤلاء الأبناء لا يصلي إذا ذهب أحد الأبوين للطفل وضربه على يده لكي يصلي أو أخبره أن هناك مكافأة ، إذا حافظ على الصلاة أو أنه سوف يحصل على ما كان يتمناه أو .. أو … أو…«طبعا هذا في المذاكرة أو التربية أو الذهاب للمدرسة الصلاة هنا لضرب المثل».

كل ما سبق نسميه علاج سلوكي هو تأثيره سريع وفعال لكنه قصير المدى في مجرد توقف العقاب أو المكافأة توقف السلوك الجديد وهو الصلاة  ورجع السلوك القديم وهو تركها.

أما العلاج المعرفي مختلف

فهو يركز على الأفكار، فنجد الأم تجسل مع إبنها وتقول له لماذا لا تصلي ؟، هل تعرف لماذا أنا وأباك نصلي ؟، هل رأيت السعادة التي نشعر بها ونحن نصلي؟

وقتها إذا إقتنع الطفل وتأثر بالإجابة قد تأخذ هذه الطريقة وقتها في التأثير والإقناع ولابد أن يمارسها الأهل أولا امام الطفل لكنها أدوم في التأثير ويبقى أثرها وقتا أطول، وتوضع في الذاكره بصورة أقوى لأن الأفكار نفسها قد تم تغييرها.

يركز العلاج المعرفي على ما نسميه الأفكار الأوتوماتيكية هي تيار من الأفكار يأتي مباشرة وبشكل تلقائي في مواقف معينة، أو عند ظهور مثير معين فمثلا شخص قابل أحد يرتدي نظارة سوداء من نوع معين وكان يتعامل مع الناس بتكبر وأسلوب فظ، يجد نفسه كلما رأى أحد يرتدي نفس النظاره يأتيه نفس التيار من الأفكار من أن هذا الشخص فظ وغليظ ومتكبر حتى وإن لم يحدث من ذلك الشخص أي تصرف مهما كان.

العجيب أن اذا حتى فعل هذا الشخص فعل إيدابي فيه تواضع يجد نفسه أيضا لا إراديا يدافع عن المعتقد الذي بداخله إتجاه من يرتدي هذه النظارات، ويقول أنه فعل لذلك حتى يقال عنه متواضع!

يمارس العقل اللاواعي ما نسميه نحن بالتحريفات المعرفية وهي كما هو واضح من اسمها هي عملية يقوم فيها العقل بتحريف الواقع حتى يتناسب ذلك الواقع مع هواه وأفكاره ومعتقداته التي تكون بنسبه كبيره خاطئة، سأناقش بعض هذه التحريفات المعرفية معكم ، والتي تمارس بكثره في حياتنا.

أولها ما نسميه الإستنتاج التعسفي :

وهو أن يقوم الإنسان بإستنتاج أمر معين وتصديق إستنتاجه هذا رغم عدم وجود أي دليل على ذلك ، فمثلا إذا مر رجل بتجربه حب وفشلت هذه التجربة يقول «كل النساء خائنات» وهو لم يقابل كل النساء !!! أو أن يتعامل مع سائق لسيارة أجرة ويطلب منه سائق هذه السيارة أكثر من ما يستحق فيقول : «كل سائقي التاكسي سارقين» وهو أيضا لم يقابلهم جميعا !!!!!

فهذه هي القاعدة: ظلم فئة كاملة أو أمر معين أو حتى علم معين أو حتى شخص معين أو ظلم أي شيئ دون وجود سبب حقيقي ملموس، العجيب أنها ليست دائما ظلم، فقد تجد من يمدح في فئه أو أمر أو علم  أو شخص معين دون وجود دليل واحد على صحة كلامه لكنه يدافع عن معتقداته وهو مغيب لأنه يستخدم تحريفا معرفيا للواقع أسمه الإستنتاج التعسفي.

نتحدث الآن عن تحريف معرفي جديد وهو «التهويل والتصغير» وهو إما أن يقوم عقلي بتكبير وتضخيم الواقع لحد أكبر من المعقول أو يقوم العقل بتصغير الواقع وتبسيطه رغم أنه ممكن أن يكون واقع كبير وخطير، وسأشرح لكم كيف يتم ذلك في حياتنا اليومية.

في حاله التهويل هو تحريف معرفي تمارسه دائما الشخصية الحساسه بكثره وهي تعد السبب الرئيسي في فهمه وتفسيره للأمور وهي مشكلته الكبيره والحقيقية في الحياة.

فمثال على ذلك شخصين يتحدون سويًا مع بعضهم فالشخصية الأولى هي شخصية عادية أو أنها شخصية سمعية وهي شخصية لا تهتم بالنظر للمتحدث قدر ما هي تهتم بالإستماع إليه، والشخصية الثانية شخصية حساسه فعندما تتحدث الشخصية الثانية مع الأولى ويجدها لا تنظر إليه يقوم عقله بتفسير ذلك أكثر من تفسير بحسب نظرته ذاته فقد يظن أن الطرف الآخر لا ينظر إليه إما لأن كلامه تافه وغير مهم , أو أنه مشغول عنه بأمر أكثر من كلامه أهمية أو أنه لا يحترمه أو …

فلكم أن تتخيلوا كم التفسيرات السلبية التي سوف يفرضها العقل في هذه الحاله , فيقوم العقل بتكبير وتهويل الواقع بشكل كبير وبالتالي يصدر منه رد فعل كبير وحاد مثل أنك لا تهتم بي  أو أنك لا تحترمني  أو أنك …..

فالعقل هنا أخذ الواقع ومارس معه التهويل فكانت النتيجه رد فعل مبالغ فيه وحاد، حتى وإن وجد الطرف الآخر كان فعلا مهتم ومستمع لكل تفاصيل الحديث

أما التصغير فيمارس العقل ما هو النقيض تماما من التهويل وهو قد تكون كارثه حقيقية ويقوم العقل بتحقير أو تصغير من نوع المشكلة أو مدى الألم، فقد نسمع أن شخص قد أصيب بإكتئاب حاد لأن حيوانه الأليف الذي كان يربيه قد مات فنرى من الناس من يضحك ويستهزأ به وكيف له أن يصاب بهذه الحاله وتوجد في العالم مجاعات وحروب وكوارث.

ببساطه «لا تحقر من مصائب الناس شيئا فلكل منا وسع خلقه الله له يزيد بالصبر وينقص بالسخط».

تحريف آخر نمارسه بشكل كبير وهو «الشخصنة» وهو أخذ الأمور على محمل شخصي وهو مقارب للإستنتاج التعسفي، لأن فيه يقوم الشخص الأمور على نفسه دون وجود دليل حقيقي واضح على ذلك.

فنجد مثلا دكتور في الجامعه يقول : «وهؤلاء الفشله الذين يجلسون بينكم » دون تفكير يجد في نفسه وكان هذه الكلمات موجهه له رغم أنه حتى لم ينظر الدكتور الجامعي في اتجاهه أو ذكر اسم بعينه !!!!!!

أو أن نكون في جلسة ونتحدث عن السمنه وحب الأكثر , أو نشاهد مشهد مضحك لشخص سمين في التلفاز وضحك عليه الجلوس فنجد أن من يرى نفسه سمينا يغضب ويأخذ الأمر على محمل شخصي.

أتذكر موقف رسول الله عندما مر رسول الله مع صاحبة أبو بكر الصديق ووجد من ينادي عليه ويقول له : يامذمم يا مذمم فلم يجبهم رسول الله واستمر في المشي مع صاحبه،فإذا برسول الله ينظر لصاحبه فإذا هو يبكي بشده فيقول له ما بك ؟؟ فيقول «لا يعرفون قدرك يا رسول الله»فرد عليه المعالج المعرفي للبشرية ويقول له «إنما يسبون مذمما إنما أنا محمدا» فما فعله الخضر مع سيدنا موسى عليه السلام في رحلتهم كان علاجًا معرفيًا .

وما فعله سيدنا إبراهيم كان أيضا علاجا معرفيا حين قال «فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآَفِلِينَ (76) فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ (77) فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (78) إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (79)»

ولكني لم أجد معالجًا معرفيًا على مر التاريخ يعالج الأفكار وإضطراباتها وخلل الإدراك مثل معالج البشرية سيدنا محمد رسول الله صلَ الله عليه وسلم، ولأن الله خلقنا ويعلم تركيبتنا النفسية فأرسل لنا ذلك المعالج وقال لنا «قَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا )) ورغم أن هذه الآيه أعتبرها بحرا يحتاج الكثير والكثير من الشرح» .

زر الذهاب إلى الأعلى