مقالات القراء

محمد فتحي الجابري يكتب: عندما عانقتُ هشام الجخ

 

يوم الأحد الموافق السابع عشر من ابريل كانت حفلة هويس الشعر العربي وأمير الشعراء هشام الجخ

في قاعة المؤتمرات بالزقازيق ، هذا الشاب الأسمر الذي يتمتع بقبول جماهيري غير عادي ، يأسرك حينما تنظر لملامحه التي صبغتها شمس الصعيد بلون الرجال ..

وصلتُ لقاعة المؤتمرات في تمام الرابعه والنصف وكان هناك حشد جماهيري بالخارج وإن لم يكن كثيرا في هذا التوقيت وكانوا جميعا ممنعون من الدخول ولكن لأني عضو في صناع الحياة مكتب أبو حماد فقد دخلت وكان قلبي يدق بشدة لأني تليقتُ وعودا من الاستاذ عمار الشافعي بأن ألقي شعرا مع هشام كما أن الدكتو سيد حري قد وعدني ايضا بالجلوس مع هشام بعد الحفل وسيحاول أن يجعلني القي شعرا معه اثناء الحفل .

وصل هشام متأخرا ساعه عن ميعاده تقريبا مما جعل الوقت ضيقا وتأسف لي الأخوه المنظمون لأنني لن استطيع القاء شعري . وبدأ عمار الشافعي مقدمة عن صناع الحياة ثم قدم لنا محمد عازف العود المرافق لهشام.
وطل علينا الجخ في تمام السابعة إلا ربع بقصيدة مشهد رأسي من ميدان التحرير والتهبت أكفنا بالتصفيق بمجرد سماع صوته قبل ان نراه وعندما اشرق علينا كان التصفيق جارفا ، لم نصدق أن الهويس يقف أمامنا ربما سخر مني البعض لتهويلي الموقف لكنني اتحدث عن احساسي انا ، وبعد القصيدة الأولي قال الجخ ( إنتوا باعديني عن الناس ليه) ونزل من علي المسرح وتجول بيننا وصرخات الجمهور تتعالي مطالبة اياه بالذهاب اليهم وأتبع الجخ مشهد رأسي بجحا ثم أيوه بغير وكنا جميعا في أقصى درجات السعادة وعند أذان العشاء استأذن الجخ أن يصلي العشاء فقفزت من مقعدي وذهبتُ لدكتور سيد حري الذي اعتذر لي بحجة أن الوقت ضيق جدا ، خيبة امل قوية سيطرت عليّ إلي أن لمحتُ الدكتورة أميرة رفعت وكانت قد استمعت لي في ميدان التطوع وأثنت على شعري كثيرا حدثتها عن امنيتي في القاء قصيدة مع هشام الجخ فوعدتني أن تحاول ولكن كان الوقت اقوي من الجميع وانتهى الحفل دون أن اصافح هشام أو ألتقط معه صورة أو أُسمعهُ شعري .

حاولت لقاءه في الكواليس إلا انني مُنعت بشدة وقد أقسم لي الجميع أن هشام ذاب فقد خرج مسرعا وغادر.
كان الجمهور يغادر الحفل فجلستُ علي مقعدي متحسرا وسعيدا في نفس الوقت وخرجتُ من الجفل بصحبة الأستاذ محمد الأمين أحد أعضاء صناع الحياة من ابوحماد وسألهم في الخارج عن هشام فأجمعوا بأنه قد غادر ولم يذهب لمقر الجمعيه بل هو في طريقه للقاهرة الأن .

لاحظت أنا ومحمد الأمين غياب عمار الشافعي وسيد حري فقال الأمين هشام في الجمعيه وهرعنا لمقر صناع الحياة في القومية وصعدنا السلالم بسرعة وإذا به أمامنا خارجا والجميع يتجاذب ملابسه كي يلتقط معهم بعض الصور، وقد أيقنتُ في قرارة نفسي أنه في هذا الموقف لن يمكنني ابدا فعل اي شئ مما كنت اتمناه ولكن يبدو أن إصرار الأستاذ محمد الأمين كان أقوى من إصراري فمسك هشام من ذراعه وقال له ( دا محمد الجابري وشاعر كويس ولازم تسمعه) ضحك هشام قائلا ( دا وقت أو مكان اسمع فيه حد؟)

وأصبحنا في مدخل العمارة وجاءت التحذيرات لهشام ألا يخرج لان هناك جمهور غفير بالخارج والسيارة غير جاهزة وأحاط هشام عدد من الاشخاص تقدمتُ منه فحاولي منعي فقلت لهم ( هسلم عليه بس مش لازم يسمعني )

كنتُ مادا يدي ومنعوني إلا انه مد يده لي وصافحتهُ وقبلتهُ وعانقتهُ وأنا في قمة سعادتي وكان كلانا مبتلا بالعرق وقال الجخ ( متزعلش مني انت شايف الوضع) ابتسمتُ دون حديث وعندما علم الجخ أن السيارة ستتأخر قليلا وضع يده علي كتفي وقال ( طب جول شعرك دلوقتي ) قلت عنوان القصيدة ( إني الان اتنفس )

وفجأة نسيتُ القصيدة التي احفظها عن ظهر قلب ضحك الجخ وربّت علي كتفي قائلا ( ركز ركز) ففتحتُ الوق خاصتي بسرعة وكان الجو مظلما ففتح احد مرافقي هشام والذي كان يحاول منعي ضوء هاتفه المحمول وسلطهُ علي الورق وبدأت اسمعه شعري وكنت أقرأ بسرعه فقال الجخ ( اهدي مفيش شعر يتقال كده براحتك ومتخافش هسمعك) .

وبدأت ألقي عليه القصيدة من جديد في موقف غريب جدا جدا نقف انا وهو في مدخل عمارة مظلم تماما وكان يضع يده علي كتفي بينما أنا أطوقهُ بذراعي وكأنني أخشي أن يذهب وكان يهز رأسه مع كلماتي والناس في الخارج تصيح نداءا عليه والفتيات يردن توقيعه والصراخ يتذايد فشددت ذراعي علي وسطه وكأنني أعلن ان الجخ حاليا غير متاح إلا لي وحدي وتم تجهيز السيارة قبل إنتهاء القصيدة بقليل فنظر لي الجخ قائلا ( إنت رائع ، ابعتهالي ع الفيس ضروري ) وتلقفتهُ الايادي أثناء خروجة من بوابة العمارة والفتيات يصيحن بإسمه ورغم كل شيئ وقع لبعضهن لكنهم اجتذبوه داخل السيارة وغادر الجخ .

قد ينسي هشام الجخ أنه قد استمع لكلمات شاعر مغمور في مدخل عمارة مظلم لكنني لن أنسي طيلة عمري

أنني عانقتُ هشام الجخ وأسمعتهُ شعري ….

تحياتي

محمد فتحي الجابري

زر الذهاب إلى الأعلى