أعمدة

محمد فتحي | يكتب :حتى لا نشم (الكاكا) أو نأكلها

محمد فتحي

كان الجميع يكرهون (على كاكا) الذى كان يزعجهم برائحته، وباسمه الذى يطلق على إحدى الفواكه، وعلى فعل بيولوجى فى آن واحد، وهكذا استقر الحال بعد أن ثار الجميع على أن يغير اسم (على كاكا)، وبالفعل تم تغييره إلى (حسن كاكا).

هذا ما حدث مع أمن الدولة، والذى تغير إلى الأمن الوطنى، وبقى بنفس العقليات التى تديره والتى تسرب الأخبار لأعوانها فى الصحف ووسائل الإعلام، وربما نفس القيادات التى ستقول (تمام يافندم) لأى حاكم. ليس عندى ما يجعلنى أزايد أو أفتخر مثل البعض لأحكى عن أيام اعتقالى فى أمن الدولة أيام مبارك، فلم يحدث أن تم استدعائى سوى مرة واحدة قابلت فيها المسئول

عن الإعلام هناك بعد صدور أحد كتبى، وكانت المرة الأولى التى أدخل فيها مقر جابر بن حيان، وكان الرجل شديد التهذيب وهو يحاول أن يرغى فى أى حاجة ليعرف اتجاهاتى، وبعد مرور ساعتين من الرغى طلبت من المقدم إبراهيم فرحات (313 على ما أتذكر) أن أجرى مكالمة تليفونية من تليفونى الذى أخذوه منى قبل صعودى إليه لأطمئن زوجتى، حيث كان اتفاقى معها أن تبدأ فى التحرك وفق اتفاق بيننا فى حالة تأخرى عن ساعتين، وعلى الفور هاج الرجل وماج على (ولاد الكلب) الذين أخذوا التليفون، ولا كأنه هو من أمرهم، وأحضره لى لأطمئن زوجتى، وعرض توصيلى بإحدى سيارات الجهاز بعد أن قلت له: ما تعتقلونى وتعملونى بطل طالما أن ظابط فاضى ماعندهوش شغل استسهل يعمل محضر فى كتاب ما باعش غير 3000 نسخة، لكنه ضحك وحدثنى عن الحال والسياسة والإخوان اللى بيتنططوا، وطلب أن يرانى ثانية بصورة ودية فاعتذرت، وقلت له إن هذه ستكون آخر مرة أدخل فيها أمن الدولة أو أقابله مهما حدث لى، فابتسم وصافحنى، وانصرفت، وبعدها بأقل من ثلاثة أشهر قامت الثورة.

لسبب ما كان عندى فضول لمعرفة ماذا حدث للرجل بعد الثورة، وماذا حدث لجهاز كامل كان أحد أسباب قيام هذه الثورة، لكن ظل عندى يقين أن الجهاز لم يتم حله أو تفكيكه وأنه يعمل على مسارين:

الأول: يخدم النظام الجديد، وسيخدم أى نظام يحكم بمنتهى الوفاء بنظرية كلب الحراسة.

الثانى: يخدم النظام القديم، ويحاول الإسراع فى عودته من خلال تسريبات أو شائعات يتم إطلاقها وتعاون مضنٍ مع نفس الوجوه القديمة التى -بالتأكيد- تم إحكام السيطرة عليها.

وبين هذا وذاك صراع نشم رائحته مع كل تسريبة أو مصيبة تخص نفس الجهاز الذى اتهم أحد ضباطه وحُكم عليه فى قضية مقتل سيد بلال، وما خفى كان أعظم، والعائدون من جحيم أمن الدولة القديم يعرفون قذارة هذا الجهاز جيداً واستخدامه للتعذيب البدنى والنفسى للوصول إلى ما يريد بحسب الإدارة التى تتولى الملف.

ربما لذلك شعرت فى بادئ الأمر بكثير من التعاطف مع الإسلاميين الذين ذهبوا للتظاهر أمام مقر الأمن الوطنى عقب استدعاء بعضهم -وفق زعمهم- بنفس الأساليب القديمة، فنظرياً هم لا يريدون عودة البلطجة الأمنية، ولا يريدون عودة تهديداتهم بزوجاتهم وأبنائهم وقطع أكل عيشهم لمجرد الاشتباه، وكل ما نعرفه من بلطجة أمن الدولة، فى رسالة قوية مؤداها: لم نعد كما كنا، ولن نقبل بعودتكم كما كنتم.

من حق أى أحد أن يفعل ذلك بالمناسبة، وأن يتعاطف معهم ويؤيد ما ذهبوا إليه فى مظاهراتهم ومحاولتهم كسر صنم كبير لم يتم تحطيمه حتى الآن.

أين المصيبة إذن؟؟

المصيبة فى استغلال ذلك للبلطجة باسم الحرية، وهو ما يحدث بالمناسبة من تيارات ثورية كذلك، فما الذى سيحدث لو تم استدعاء قانونى لأحد هؤلاء الإسلاميين، أو القبض عليه مثلاً فى تحقيق من التحقيقات؟؟

أنا أقول لسعادتك..

1) سيتم تصوير الأمر على إنه تصفية حسابات مع الإسلاميين، وأن المقبوض عليه -أياً كان- برىء، وأن الأدلة -أياً كانت- مفبركة.

2) سيتم الحشد للنزول ومحاصرة أى مكان والضغط للإفراج عن الأخ (حدث ذلك عند القبض على أحمد عرفة عضو حازمون وتمت محاصرة النيابة ولم يحاسب أحد على ذلك فى بلطجة حقيقية).

3) ستحدث الدعوة الشهيرة والملحة لتطهير أمن الدولة والداخلية، والمشكلة ليست فى ذلك لأنهم فعلاً يحتاجون لتطهير، لكن الكارثة أن كل من يريد تطهيرهم من الإسلاميين يريد أن يستبدلهم بمن يدينون له بالولاء المباشر والكامل.

4) سيخرج أى مجرم حقيقى بعد ضغط رهيب كبطل بدعوى أنه مظلوم ليكمل بلطجته وإجرامه (حدث ذلك بالمناسبة مع تيارات أخرى نعرفها جيداً).

نعم أنا ضد بلطجة أمن الدولة، لكن كذلك ضد البلطجة باسم الحرية، والوقفة السلمية شهدت -كعادة الوقفات- تجاوزات لها علاقة بمحاولات لإشعال الموقف، وقيل ضمن ما قيل من هتافات إنها (المرة دى سلمية)، فى تهديد صريح لما يمكن أن يحدث بعد ذلك، من تيار كان، بالمناسبة، يهاجم حصار الألتراس للداخلية ويدعو لتقويمها بدلاً من هدمها!!!

نعم أنا ضد بلطجة أمن الدولة، لكن هذه التظاهرات مثل غيرها تثبت أن الإسلاميين يفصلون أنفسهم عن التيارات الأخرى بأنفسهم، فهم لا ينزلون إلا لما يخصهم، ودفاعاً عن رجالهم، وليس تعاطفاً مع آخرين حتى لو تشابهت الأهداف، ولو كانت الدعوة لحصار المقر من تيارات أخرى لما شاركوا فيها.

كنت أريد أن أختم المقال بحل هو فى النهاية لن يخرج عن تطبيق القانون على الجميع، وإحكام الرقابة على (حسن كاكا) أو الأمن الوطنى حتى لا يعود لممارساته القديمة، وفى نفس الوقت عقاب كل من يحاول هدم مؤسسات الدولة إما بالتشكيك فيها أو بمحاولة اقتحامها أياً كان انتماؤه، لكن أحد أصدقائى كان فى الأمن الوطنى منذ فترة، لإنهاء بعض الإجراءات المتعلقة بمجال عمله، وحين سألته عن مسئول الإعلام هناك أجابنى: إبراهيم فرحات بتاع زمان.

بقلم | محمد فتحي
المصدر

Eman Salem

كاتب صحفي ورئيس تحرير موقع الشرقية توداي
زر الذهاب إلى الأعلى