رأي

محمود عزو | يكتب : ربنا أعلم بالظروف

محمود

منذ ثورة يناير 2011 تعاقب على رئاسة الوزراء المصرية العديد من الشخصيات ، بدءاً بـ أحمد شفيق مروراً بعصام شرف و الجنزوري و هشام قنديل وصولاً لـ حازم الببلاوي _ مع حفظ الألقاب للجميع _ بمجرد تولي أحد منهم المسئولية حتى نسمَع التصريحات من نوعية ” نحن نعمَل في ظروف إقتصادية وأمنية صعبة ، وعُنُق الزجاجة ، والاقبال الإستثماري ضعيف ، والمطالب الفئوية .. إلى آخره ” رغبة في إقناع الناس بالقليل المتاح ,, يعني يحمدوا ربنا وإتعشِّت .. وربنا هو أعلم بالظروف !!

القاريء الجيد للتاريخ يعلَم أن المهمة ليست مستحيلة إطلاقاً كما يدعي البعض مقارنة بما كان أصعب في بلاد معدومة الموارد بالمعنى الحرفي للكلمة ، والقاريء للمشهد السياسي الحالي يعلم تماماً وجود كفاءات قادرة على تولي المسؤلية في تلك الظروف الحرجة ، فضلاً عن أنهم بالفعل إن لم يكونوا محل إجماع من الجميع ، فهٌم على الأقل ليسوا محل خلاف مع قوى الثورة ولا كانوا موالين للنظامين السابقين ولَكن دَعنا نفترض حسن نية الجميع والرغبة في الإصلاح فنحنُ في عبَّارة واحده _ وربنا يستُر _ وعلى الجميع أن يشارِك دون إقصاء.

على ذكرِ التاريخ وقبل أن أنسى وبدون أية مقدمات. في 9 أغسطس عام 1965 أدّى “يوسف بن إسحق” اليمين الدستورية كأول رئيس جمهورية لدولة سنغافورة التي إنفصلت في ذلك التاريخ عن ماليزيا ، تولى “لي كوان يو” رئاسة الوزراء ، ونراه في أحد الحوارات المسجلة في بداية توليه المسؤولية يبكي ، لاحظ أننا نتحدث عن “جزيرة” مستقلة حديثاً ، معدومة الموارد الطبيعية حتى إنها لديها فقر في مياه الشُرب !! ماذا تتوقع من دولة كتلك بعد 25 سنة من ذلك التاريخ ؟
عُذراً صديقي آن الآوان لكي نعود إلى حاضِرنا فقد إنتهت الرحلة ، إنظر الآن لسنغافورة ، ذلك الإقتصاد الضخم الذي بدأ من لاشيء تقريباً حتى وصل ذروته في العام 1999 ولازال النمو الإقتصادي مستمراً حتى يومنا هذا ، رغم إختلاف الأعراق وفقر الموارد والظروف الصعبة التي تصل إلى درجة الإستحالة .. كيف وصلوا إلى هنا ؟! . فكِر . كيف أقاموا إقتصاداً جعلهم بحلول الثمانينيات من القرن العشرين من أكثر بلدان آسيا استقرارًا ورفاهية ؟! . فكِر . ما الذي فعله “لي كوان يو” لكي يسانده شعبه فيصنعون دولة كهذه !؟ بالتأكيد لم يكن يملك عصاً سحرية لحل المشاكل ولكنه أدرك أن الشَعب إن خُدِم خَدَم وساعَد وسانَد .. أليسَ كذلِك ؟
دعَك مِن سنغافورة ، فمصر ليست سنغافورة وسنغافورة ليست مصر. إذاً ما رأيك في دُبي ! ، إبحث عن تاريخ النمو الإقتصادي لدبي من 1991 حتى الآن !! كيف كانوا وكيف كُنا ؟ أين أصبحوا وأين أصبحنا ؟! . لا زلت مقتنع أن الهمة مستحيلة أليس كذلك ؟
أنا لا أطلُب رجل بمواصفات أدهم صَبري لحل مشكلاتنا ولا رجُل بعقلية محمود الجوهري _ عليه رحمة الله _ للإدارة الفنية البلاد ، ولا أحلم بـ ” لي كوان يو ” رغم أنني متيقن أن في مصر من يفوقونه لكن الأزمة لدينا _ منذ قديم الأزل _ هي أزمة إختيارات والأمثلة كثيرة ، لقد إعتاد أولو الأمر في مصر الإختيار لنا بإعتبار أن اللي أكبر منك بيوم يعرف عنَّك بسنة وأنه من حق الكبير يدلَع وغيرها من موروثاتنا الكثيرة ،على كُل فأنا لا أعلق آمالاً أننا سنكوِّن إقتصاداً قوياً قبل 10 سنوات على الأقل من الآن ، كل ما أطلبه أن يتجرأ المسئول على الحلم ، وأن يشارك الناس أحلامهم ، ويساعدهم على تحقيقها بقرارات تمس حياتهم ، وأن يخدِم فيُخدَم ، لا أن يتخذ من الظروف وعنق الزجاجة مبررات لفشله ، وأدي الناس شايفه الظروف !

المصدر | الشرقية توداى

Eman Salem

كاتب صحفي ورئيس تحرير موقع الشرقية توداي
زر الذهاب إلى الأعلى