أخبار العالمأعمدة

مصطفى النجار | يكتب : الخصوصية يجب أن تحترم

مصطفى النجار

تزوجت فنانة معروفة من مطرب يصغرها ببضع سنوات فتقوم الدنيا ولا تهدأ سخرية من هذه الفنانة، هؤلاء يعيبون عليها أن تتزوج شخصا يصغرها فى العمر وهؤلاء يسخرون من تسريحة شعرها فى حفل خطوبتها وهؤلاء يسخرون من الطبقة الاجتماعية التى ينتمى لها زوجها ولا يتوقف الجدل عند هذا الحد فتنطلق التحليلات وتتطاحن وجهات النظر المختلفة التى تتناول ما فعلته هذه السيدة وكأن زواجها صار جريمة يجب أن تبررها!

يتواصل هذا التطفل على حياة البشر فيتزوج فنان من فتاة تصغره سنا وتتداول الصحف والمواقع صور الزفاف التى يقف فيها العريس بجوار عروسه لتنهال عاصفة من الهجوم على الرجل والسخرية منه بشكل منحط ويخضع لمحكمة تفتيش إعلامية على الهواء حين يجد نفسه مضطرا للإجابة عن سؤال سخيف يخص قدرته الذكورية كرجل كبير فى السن وقرر الزواج، وأمام ملايين المشاهدين يجلس هذا الرجل الذى لم يرتكب جرما ولم يتورط فى الفاحشة بل قرر الزواج أمام أعين الناس وبالطريقة الطبيعية التى يقرها الشرع والعرف فإذا به يصبح حديث الناس على مواقع التواصل الاجتماعى بدرجة لا يمكن تخيل قبحها وتدنيها. حظيت صورة واحدة من صور الرجل بجوار عروسه بما يزيد على ثلاثة آلاف تعليق أغلبها طغيت عليه السفالة والتبذل والسخرية، تخيلت أن هذا الرجل عثر على هذه الصورة وقرأ ما تحتها من تعليقات كيف ستكون مشاعره وكيف سيتأثر نفسيا بسبب كل هذا الأذى والقبح؟

•••

هذه الظاهرة آخذة فى التصاعد والانتشار فى المجتمع المصرى فى الآونة الأخيرة حيث صار مصدر تسلية الناس وشغل أوقات فراغهم عبر التدخل فى خصوصيات الآخرين وانتهاك حرياتهم الخاصة واقتحام حياتهم الشخصية سواء كانوا شخصيات معروفة أو حتى جيرانا أو أقارب أو زملاء عمل ودراسة، يعطى الناس لأنفسهم الحق التدخل فى أدق التفاصيل الشخصية ويجعلونها بابا للنقاش والتحليل والجدل، تتزوج فتاة فتسرع صديقاتها لسؤالها عن المبلغ الذى دفعه زوجها كمهر وعن متعلقات خاصة مثل (الشبكة) و(المؤخر) وغيره من الأعراف المصرية المرتبطة بالزواج.

تنفصل امرأة عن زوجها فيتحول الفضول المقيت لسؤالها عن أسباب الطلاق وعما تريد أن تفعله فى حياتها القادمة، ترفض فتاة الزواج وتقرر الاستمرار فى الحياة بعيدا عن فكرة الارتباط وتنهمك فى عملها وهواياتها فلا يتركها المجتمع فى حالها بل يطاردها وينهش فيها وتمل من سماع السؤال السخيف والمتكرر فى مثل هذه الحالات (امتى هنفرح بيكى). يتزوج رجل امرأة فيرى بعضهم أنه أجمل منها وأشد وسامة أو العكس فتسمع تعليقات من نوعية كيف تزوج هذا هذه؟ ألم يجد أجمل منها؟ ما الذى أعجبه فيها؟ إنه يستحق من هى أجمل منها بكثير؟ لماذا ورط نفسه فى هذه الزيجة؟ كيف استطاعت خداعه والظفر به رغما عن كل النساء الأجمل منها؟

•••

كلنا نسمع هذه الأحاديث فى دوائرنا الاجتماعية ونقرأها على صفحات مواقع التواصل الاجتماعى التى أصبحت موازية لمجالس الغيبة والنميمة التقليدية، نحن نعيش فى مجتمع لا يحترم الخصوصية ولا يراعى حق الناس فى اختياراتهم الخاصة التى لا تعنى سواهم ولا حق لأحد أن يتدخل فيها أو يفرض عليهم كيف يختارونها، بل بيننا من يفرضون الوصاية المباشرة وغير المباشرة على الآخرين، الوصاية المباشرة تكون بالتدخل المباشر لمحاولة التأثير قبل وأثناء وعقب اتخاذ القرار، أما الوصاية غير المباشرة فهى الإيذاء النفسى سواء عبر الابتزاز العاطفى لتغيير القرار أو التراجع عنه أو السخرية وازدراء صاحب القرار وكلا الوصايتين يجب رفضهما لأن الأصل فى الإنسان أنه يمتلك الحرية الكاملة لاتخاذ قراراته بعيدا عن تدخلات الآخرين.

كثيرا ما نقارن بين مجتمعنا ومجتمعات غربية تقدس الخصوصية ولا تنتهك حريات الناس فى العيش بالطريقة التى يريدونها لأنفسهم ولو عدنا حتى إلى تراثنا الدينى القيمى لوجدنا أن هناك نصوصا كثيرة تحرم السخرية من الناس وتجرم التدخل فى حياة الآخرين أو التطفل عليهم وإقحام المرء نفسه فيما لا يعنيه.

من التناقض المريع فى مجتمعنا أننا نجد بعضهم يرفض أن يتدخل أحد فى حياته بينما يسمح لنفسه باقتحام حياة الآخرين وإعطاء الحق لنفسه فى استباحة الحياة الشخصية للآخرين، نحن أمام مرض اجتماعى يتفشى بضراوة ولا بد من إيقافه والتصدى له من أجل أن نحيا فى مجتمع غير مشوه.
دور الإعلام والفن أن يشوه هذا الفعل لا أن يمارسه ويقننه بحثا عن زيادة عدد المشاهدين أو القراء، كذلك أساليب التربية سواء فى البيت أو المدرسة أو أماكن العبادة لابد أن تقدس خصوصية البشر وتزرعها فى نفوس الصغار حتى يشبوا على احترامها وتصبح سلوكا عاما.

•••

نحن بحاجة إلى مصارحة أنفسنا بأمراضنا الاجتماعية وتعريتها أما التعايش معها فلن يزيد الواقع إلا مزيدا من القبح، ليس من المروءة أن تصبح حياة الناس مصدر تسلية لنا وليس من الاحترام أن نتدخل فى خصوصيات الآخرين، فلنتوقف عن هذا ولنجبر أصدقاءنا ومن حولنا على ترك هذا الفعل الذميم عبر رفض مشاركتهم هذا اللغط وتأنيبهم إذا استمروا على هذا النحو، ربما يرى البعض أن مثل هذه الأمور مجرد مزحة وطرفة لكنها عند آخرين تعنى هدم حياة وجلب شقاء.

المصدر

زر الذهاب إلى الأعلى