أعمدة

مصطفى النجار | يكتب: كنتم عارفين إنى جاى أزوركم؟.. آه عارفين

mostafa21770

 

وقف رئيس الوزراء المهندس إبراهيم محلب، بين التلاميذ فى إحدى المدارس بصعيد مصر فى محافظة أسيوط وحوله الكاميرات وهو يتحدث مع التلاميذ بودٍّ ويسألهم عن أحوالهم، لم يكن يدرى أنه سيتعرض لهذا الموقف المحرج الذى تم تداوله على نطاق واسع خلال الأيام الماضية، حين سأل الطلاب عن زيارته المفاجئة لهم قائلا: إنتم كنتم عارفين إن أنا جاى المدرسة؟ فردوا عليه بصوت واحد: أيوه كنا عارفين، وتدارك الرجل الموقف قائلا: أنا شخصيا، مكانتش الزيارة فى البرنامج.

بغض النظر عن العناوين التى تم بها نشر الفيديو، فإن هذا الفيديو يجب أن يسعد كل مصرى يأمل فى المستقبل ويراهن عليه، فهؤلاء التلاميذ لم يرتعدوا ويضطربوا لأن رئيس الوزراء يقف بينهم ويكلمهم، ولم يكتفوا بإخباره بأن الزيارة ليست مفاجئة كما تخيل هو أو زعم بل إنهم كانوا يعرفون بها، والأهم من ذلك وهو يتحدث مع تلميذ حول أهمية (التابلت) والإنترنت فى التعليم، قاطعه تلاميذ آخرون وأصروا على أن يسمع مشاكلهم الحقيقية وقال أحدهم: (إحنا 55 واحد فى الفصل نستوعب إزاى؟)، وقال آخر: (المبنى بيقع علينا، والزبالة حوالينا موجودة، وكل ما حد ييجى ينضفوها وبعد كده يسيبوها)، وحين التفت محلب إلى البنات الصغيرات، قالوا له: النور بيقطع، فسألهم: لغاية دلوقتى؟ فقالوا: آه بيقطع كل يوم. بعدها أنهى الرجل زيارته وخرج يتصبب عرقا كما ظهر فى تغطية الزيارة.

المهندس إبراهيم محلب يجيد التعامل مع الإعلام بكفاءة واقتدار ويستحق جائزة أفضل رجل علاقات عامة لعام 2014، فهو بالفعل ينجح باللغة الشعبية فى (تثبيت) أى شخص وتسطيح أى مشكلة والتهوين من آثارها، وزياراته المكوكية، التى لا تتوقف، تناسب تاريخه المهنى كرئيس لأكبر شركة مقاولات فى مصر، لكن الحقيقة أن كل قدرات الرجل ومهاراته ودهائه الفطرى لم ينجح فى احتواء هؤلاء الأطفال الذين ربما يكونون قد أصابوه بإحباط بالغ، لأنهم لخصوا مشكلة الوطن فى كلماتهم البسيطة، وأعطوه درسا فى ترتيب الأولويات، فكيف يتحدث عن الكمبيوتر والإنترنت وهم لا يجدون مكانا يجلسون فيه فى فصولهم المزدحمة، والقمامة تحاصرهم، والسقف يتهاوى ليسقط عليهم، والكهرباء تنقطع أكثر مما تأتى؟!

تخيل أن هؤلاء التلاميذ كانوا ينتمون لأجيال أكبر أو حتى جيلنا نحن؟ هل كان رد فعلهم سيكون مثل هؤلاء الشجعان؟.. هذا المشهد رسالة لمن يعتقدون أن عجلة الزمن يمكن أن تعود للوراء، ولمن يتوهمون أنه يمكنهم حكم هؤلاء الشباب والأطفال بمثل ما حكموا به آباءهم وأجدادهم، الزمان تغير، ومن لا يقرأ التغيير سيتعثر فى كل خطوة وسيتضاءل أمام تدفق الأحلام والآمال التى يحملها هؤلاء القادمون، الذين لن يوقفهم تجهيل ولا استبداد، لأنهم لن يرضوا بغير العلم والحرية والكرامة الإنسانية.

تلاميذ الجنوب أرسلوا رسالة واضحة تنتظر من يقرأها بعناية: لن نرضى بغير ما يستحقه كل إنسان من حقوق وحريات وخدمات، أعيدوا ترتيب أولويات الوطن، وتوقفوا عن الشو والأداء المسرحى، نحن المستقبل ولن يوقف أحد سيرنا إليه.

المصدر

زر الذهاب إلى الأعلى