أعمدة

معتز بالله عبد الفتاح | يكتب : «الخوان المسلمون»: الجريمة التى كان ينبغى أن نرتكبها

معتز بالله
الخوان المسلمون: هو المصطلح الذى استخدمه الأستاذ عباس محمود العقاد فى وصف جماعة الإخوان. وكان منطقه، وفقاً لكلام الأستاذ سلامة أحمد سلامة (رحمة الله عليه)، أنهم فرقوا الأمة، وجعلوا أهلها شيعاً بأن جعلوا بين المسلمين من هو أكثر إسلاماً ومن هو أقل إسلاماً.

الجريمة: أى الغلطة التى وقعنا فيها بحسن نية أو بسوء نية لكنها فى كل الأحوال خطأ لو عاد بنا الزمن لما عدنا إليه.

«الذى كان ينبغى أن نرتكبها»: أى الفعل أو القرار الذى، رغماً عن كل عيوبه وتكلفته، فإننا تعلمنا منه درساً قاسياً حتى نتعلم من الخطأ وإلا كنا سنظل نظن فيهم خيراً ونلتمس لهم الأعذار وهم لا يستحقون حسن الظن فيهم.

وبناءً عليه..

الخوان المسلمون يثبتون يوماً بعد يوم أنهم «إخوان» أكثر منهم «مسلمون». هم إخوان يتنادون للدفاع عن أنفسهم ومصالحهم باسم الدين، أكثر منهم مسلمون يتخلقون بأخلاق الإسلام. لا تجد فيهم إسلاماً وهم ينظرون لغيرهم وكأنهم غير مسلمين وخونة وعملاء، لا تجد فيهم إسلاماً وهم يستخدمون أشنع الألفاظ فى شتم وسب مخالفيهم، لا تجد فيهم إسلاماً وهم يتمنون لمصر الخراب والدمار ولمحاولات إصلاحها الفشل لأنهم ليسوا فى السلطة، لا تجد فيهم إسلاماً وهم يرون دماء المصريين تسيل وكأنهم ينتصرون يوماً بعد يوم.

وبناءً عليه، الحديث عن «المصالحة» مع الخوان هو إما حديث مثالية سياسية ليست منطقية فى ظل نزعة هؤلاء إلى الخروج عن الصف الوطنى بل ومحاولة تدميره أو هو حديث انتهازية سياسية تسعى لخدمة مصالح إما ضيقة أو تبنى رؤية غير وطنية تنبع من عواصم أجنبية.

مدرسة «دمج كافة الفصائل الوطنية فى التيار الوطنى العام» عليها ألا تدافع عن «علبة فاضية» اسمها «الإسلاميين» أو «القوميين» أو «اليساريين» أو «الليبراليين» لأن هذه اللافتات الرنانة مضللة. لا مجال لوصف أى فصيل بالوطنية وهو يستعين بقوى أجنبية ضد فصيل مصرى آخر مهما كان حجم الخلاف بينهما؛ فأولاً وبحكم التعريف، فإن الاستقواء بالخارج عمل غير وطنى.. ثانياً، وبحكم التاريخ، الخارج لن يتدخل قط لمصلحة وطنية مصرية إنما لمصلحة غربية عبر وكلاء داخليين.

الكرة فى ملعب «الخوان» قبل غيرهم. عليهم أن يراجعوا أنفسهم وأن يتصارحوا مع أنفسهم فى ما اقترفوه فى حق الوطن وحق الإسلام وحق شبابهم من جرائم فكرية فى المقام الأول، وأن يتخلوا تماماً عن فكرة «أخونة مصر» لأن المنطقى أن يتم «تمصير الإخوان» بأن نكون جميعاً جزءاً من وطن نحترم إرادة شعبه ودستوره وقوانينه، ومن يختَر غير ذلك، فقد اختار العدم.

الحادث الإرهابى فى تونس من ثلاثة أيام يطعن تماماً فكرة أن دمج الإخوان فى الحياة السياسية المصرية سيقضى على الإرهاب؛ فهم هناك مندمجون تماماً ولهم وجود فى الحكومة بعدد من الوزراء ويشكلون الكتلة الثانية فى البرلمان، ومع ذلك هناك إرهاب لأن الفكر «الإخوانى» يخلق فى العقلية «الإخوانية» منطق الرفض الراديكالى بما يولده ذلك من طاقة نفسية سلبية مهولة عند شبابهم ضد المجتمع بما يخلق مسافة نفسية واجتماعية وسياسية بين «الشاب الإخوانى» وغيره، وحين يفقد الشاب القدرة على السيطرة على طاقة الغضب هذه يكون أميل إلى العنف لأنه ملىء بأفكار سلبية عن المجتمع الذى يعيش فيه، فيترجم بعضهم سواء باسم «الخوان» أو بالخروج على قيادتهم حنقه وغضبه إلى قتل وتدمير وترهيب.

ما حدث فى تونس يقول إن الحديث عن المصالحة أو الدمج أو الاستيعاب لم يعد بديلاً مطروحاً على مصر الآن.

وحتى يكتمل التحليل سأعود إلى مقال كتبته فى مارس 2009، أوضحت فيه البدائل الخمسة المتاحة لنا:

أولاً: البديل الأردنى المغربى «الاستيعاب القانونى والتحييد السياسى»:

ويسجل لهذا البديل أنه يسعى للاستيعاب القانونى مع سقف سياسى منخفض. فيسمح للإسلاميين بأن يظهروا على الساحة رسمياً وقانونياً مع خطوط حمراء واضحة جعلت بعض الدارسين تصفها بأحزاب وقوى إدارية وليست سياسية، أى إنها وظيفياً أقرب إلى إدارة المساحة المتروكة لها من قِبَل الملك من قدرتها على أن تحدّد لنفسها مجالاً أوسع. ويسير على الدرب نظاما البحرين والكويت.

ثانياً: البديل المصرى الناصرى «بديل الاستبعاد مع الاستبداد»:

ويقوم هذا البديل أساساً على الاستبعاد القانونى والاستئصال السياسى مع وجود مساحة ضيقة جداً، إن وُجدت، للتنافس السياسى بين قوى المعارضة المدنية. وهذا البديل مستنسخ من الخبرة المصرية فى عهد «عبدالناصر» فى أعقاب حادثة المنشية، وكان يمكن أن يستمر هو البديل المصرى فى عهد «مبارك» لولا أن الرئيس السادات قطعه بالإفراج عن قطاعات واسعة من الإخوان فى مطلع السبعينات. وقد تبنّت تونس وسوريا وليبيا قبل ثوراتها هذا البديل أيضاً.

ثالثاً: البديل المصرى فى عهد «مبارك» «التحجيم دون الاستئصال»:

وتبدو الحالة المصرية فى عهد الرئيس مبارك لها خصوصية حتى بالمعايير العربية، حيث يرتفع وينخفض سقف حرية الحركة للإخوان على نحو يوحى بالرغبة فى التحجيم دون الاستئصال، وبالتالى هى درجة من الاستيعاب الجزئى والاستبعاد الجزئى دون وضوح فى طبيعة الخطوط الحمراء، فعملياً يسمح للإخوان بدخول الانتخابات العامة والنقابية والطلابية، شرط ألا يفوزوا فيها بالأغلبية، يضاف إلى ذلك أن الدولة تسن قوانين هى أشبه بالعقاب الجماعى، الذى ينال من حرية الحركة المتاحة لجميع القوى السياسية، بما فيها الأحزاب الشرعية. وهو ما يجعل الوضع الراهن فى مصر، فى تقديرى، الأكثر غموضاً، مقارنة بالبديلين العربيين الآخرين.

رابعاً: البديل التركى «الاستيعاب الديمقراطى»:

يختلف هذا البديل فى بنيته المؤسسية عن البديل الألمانى، من حيث إنه يستوعب جميع القوى التى تقبل نظرياً بقواعد الدولة المدنية والديمقراطية، ولا يسمح بتدخّل الدين فى الصراع السياسى والحزبى أو ادعاء طرف أنه يتحدث بوحى من الشرع أو الشريعة، وتكون هذه من القواعد فوق الدستورية «supra-constitutional»، التى لا يجوز الاتفاق على مخالفتها كما لا يجوز العمل على تغييرها أو تعديلها بحكم الدستور نفسه. إن التجربة التركية ليست الوحيدة فى التخوّف من انهيار الديمقراطية لأسباب طائفية أو دينية.

فكم من دول تحولت ديمقراطياً، لكنها انكسرت بوصول قوى غير ديمقراطية إلى سدة الحكم، فكانت بمثابة ديمقراطية المرة الواحدة، ومن هنا يطرح المدخل المؤسسى فكرة بناء أطر مؤسسية تنشئ وتحافظ على الطابع المدنى والديمقراطى والليبرالى للدولة، وهو ما يقتضى أن يتم تضمين الدستور آليات تسمح بحق جميع القوى السياسية، التى تلتزم بقواعد اللعبة الديمقراطية فى أن تكون جزءاً من الإطار السياسى للدولة من ناحية شريطة عدم الركون لنوايا الفاعلين السياسيين بشأن التزامهم بالديمقراطية.

رابعاً: البديل الألمانى «الاستبعاد الديمقراطى»:

ينص البديل الألمانى الذى جسّده دستور 1949 فى ألمانيا الغربية صراحة على استبعاد المتطرفين فى أقصى اليمين وهم النازيون، والمتطرفين فى أقصى اليسار وهم الشيوعيون، من الحياة السياسية، وتكون الانتخابات، ومن ثم مراكز صُنع القرار والتشريع والرأى مفتوحة لقوى يمين الوسط ويسار الوسط ومن فى حكمهما، وفى هذا البديل مزية أساسية أنه يجبر جميع المتطرفين على الاعتدال، بأن يغلق عليهم أبواب الشطط، لكن فى الوقت نفسه يفتح لهم نافذة التعبير والمشاركة المشروعة فى الحياة السياسية بأن يكونوا من قوى الاعتدال بالمعايير الألمانية.

كتبت فى مارس 2009 أن عيب هذا البديل هو فى صعوبة نقله إلى تجارب أخرى ما لم تُقدم قوى التطرف على جريمة تصل إلى حد الكارثة الوطنية يمكن معها قبول فكرة استبعادها أو أن تكون هذه القوى المتطرفة من الضعف بحيث لا يترتب على استبعادها القانونى ما يُحدث خللاً جسيماً فى الجسد السياسى.

والآن أقول: لقد ارتكب الإخوان «الكارثة الوطنية» والآن علينا أن نطلق العنان للعقل المصرى لإبداع «ديمقراطية استبعادية» ترفع شعار «لا ديمقراطية لأعداء الديمقراطية» ولا مجال فى الفضاء العام إلا لمن يحترم إرادة الشعب ودستوره وقوانينه، شريطة أن تكون ديمقراطية حقيقية فى كافة ممارساتها لمن يلتزم بالوطنية المصرية ويقبل بشروط الديمقراطية: ديمقراطية الوصول إلى السلطة، ديمقراطية ممارسة السلطة، ديمقراطية الخروج من السلطة.

لقد ارتكبنا جريمة بأن مكنا للإخوان فى الأرض، ولكنها جريمة كانت ضرورية لأن بدونها كنا سنظل مخدوعين فى هؤلاء.

السؤال الآن: كيف نصنع مصر جديدة ناهضة، تنموية، عادلة، ديمقراطية استيعابية لكل الفصائل الوطنية، استبعادية لكل الفصائل غير الوطنية؟

هذا هو الجهد الفكرى المطلوب الآن.

المصدر

زر الذهاب إلى الأعلى