أعمدة

معتز بالله عبد الفتاح | يكتب : تثبيت بعض المتغيرات

معتز

لم يعد فى مصر الكثير من الثوابت: يُستدعى الدين حين يخدم أغراض من يستدعيه ثم يطرح جانبا إن أصبح قيدا، وكذا مع الدستور حين يخدم أغراض من يستدعيه، وكذا مع الطرف الأجنبى حين يخدم أغراض من يستدعيه. وهى «انتهازية المبتدأين» الذين يظنون أن السياسة لا تقوم على أى ضوابط بإطلاق. ولهذا يكون من المفيد، على الأقل بالنسبة لى، أن أتساءل عن بعض الثوابت التى تساعدنى، وقد تساعد غيرى، على تلمس الطريق.

أولا، وظيفة أى نظام حكم هى حماية أرواح مواطنيه، ولو فشل فى هذا، فإنه يفقد جوهر شرعيته، وهو ما جعل الكثيرين يعتبرون أن الشرعية الأخلاقية سقطت عن نظام الدكتور مرسى حين سقط فى عهده مصريون شهداء، وكان نفس هذا المنطق على عهد المجلس العسكرى، ومن قبله حكم مبارك وتحديدا فى أعقاب 28 يناير 2011. ورفع كثيرون شعار: «طول ما الدم المصرى رخيص، يسقط يسقط أى رئيس». والسؤال الآن: هل هذه الفكرة من المتغيرات أم من الثوابت؟ بعبارة أخرى: هل هذه الفكرة تستخدم ضد رئيس دون آخر، ضد نظام حكم دون آخر، أم هى مبدأ عام يطبق على الجميع؟ وهل سنسمع اليوم نفس كلمات الإدانة التى كانت ترفع من قبل؟ وهل سيحاسب من أخطأ ولم يلتزم بقواعد الاشتباك المتدرج التى كانت تقال قبل عدة أشهر؟

ثانيا، الديمقراطية المستقرة تقوم على ثلاثة مبادئ: ديمقراطية الوصول إلى السلطة، ديمقراطية ممارسة السلطة، ديمقراطية الخروج منها. ومن أسقطوا الرئيس مبارك كانت حجتهم أنه لم يحترم ابتداء «ديمقراطية الوصول إلى السلطة» فاعتقل معارضيه وصادر الحريات وتبنى ما أسميته آنذاك «التوريث» أى التزوير من أجل التوريث، وكان إسقاط الدكتور محمد مرسى، عند من خرجوا عليه، لأنه لم يحترم «ديمقراطية ممارسة السلطة» التى تعنى ضمنا الوفاء بالوعود الانتخابية كجزء من العقد بينه وبين من انتخبوه. ولا ننسى كذلك أن أحداث محمد محمود ومجلس الوزراء ضد المجلس العسكرى كانت لأنهم وعدوا بأنهم سيتركون السلطة خلال ستة أشهر، ولم يفوا بهذا الوعد، ولم يحددوا موعدا لانتقال السلطة حتى سالت دماء زكية وسقط شهداء أبرار واضطر بعدها المجلس العسكرى أن يعلن عن موعد لتسليم السلطة. وقد كان. وعليه هل اتفق المصريون على أن الخروج على الحاكم الذى لا يفى بوعوده وعزله من منصبه من الثوابت أم من المتغيرات؟ وهل نتوقع أن مادة ستضاف إلى الدستور الجديد بحق نسبة أو عدد معين من المواطنين أن يطالبوا بعزل الرئيس أو بالاستفتاء عليه بدلا من النزول للشوارع وتدخل القوات المسلحة مرة أخرى؟

ثالثا، ما قامت من أجله ثورة 25 يناير لا يمكن أن تتراجع عنه ثورة 30 يونيو بما فى ذلك تجريم الدولة البوليسية ومحاسبة الانحراف عن السلطة ورفض العودة إلى استغلال المناصب والنفوذ واحترام الحد الأدنى من حقوق الإنسان وحرياته الأساسية كما نصت عليها المواثيق الدولية. وإذا لم نر أمامنا التزاما صارما باحترام ما قامت من أجله ثورة 25 يناير، فأغلب الظن أننا سنرى موجة ثورية جديدة على نتائج ثورة 30 يونيو. وهنا يكون السؤال: هل أهداف ثورة 25 يناير بما حملته من معانٍ عامة ولكنها جامعة: عيش، حرية، عدالة، كرامة هى ثوابت أم هى متغيرات؟ وهل بوصلة الثورة الجديدة هى نفس أهداف الثورة الأم أم أن الثورة الجديدة جاءت بأهداف أخرى، وما هى؟

رابعا، الحكومة المحايدة حزبيا لتدير الانتخابات كان هدفا لمن كانوا فى المعارضة قبل 30 يونيو حتى لا تؤثر هذه الحكومة على نتيجة الانتخابات فتجامل الإخوان ومن معهم. والسؤال الآن، هل هذا المطلب من الثوابت أم من المتغيرات؟ بعبارة أخرى: هل هذا كان طلبا مشروعا مع حكومة الدكتور هشام قنديل ولم يعد طلبا ملحا الآن مع حكومة الدكتور حازم الببلاوى التى هى كذلك ليست محايدة إذا استخدمنا نفس المعيار؟

خامسا، ليس من الواضح حتى الآن متى يكون فض الاعتصام بالقوة عملا مشروعا ومتى لا يكون بعد عشرات الاعتصامات على مدى عامين ونصف، وما هو المعيار؟

المصدر

Eman Salem

كاتب صحفي ورئيس تحرير موقع الشرقية توداي
زر الذهاب إلى الأعلى