مقالات القراء

مقالات القراء | مصطفي فوزي يكتب : إبعدوا” عن بعض ماتتخانقوش”

n798870187 4643164 1724

يتباري المتناطحون الآن في تفسير وتبرير إنحيازاتهم نحو فريق دون الآخر بأسباب يرونها مقنعة , وبينما يعجز كل منهم عن إقناع الآخر يقف فريق ثالث حائر بين هذا وذاك , وبين مصلحة مصر التي تنادي فزعا من تجاهل الجميع , يري الجميع أن لا حلولا وسطي وأن الحسم لابد لا محالة , إسمحوا لي قبل أن أسترسل أن أفصل بين فريقين لطالما برزوا مؤخرا , وهم فريقي الشرطة وأهليهم ومؤيديهم , والشعب المطحون ومسانديهم ومؤيديهم , يري الفريق الثاني أن من عُذّبوا في سجون مصر خلال السنوات الأخيرة قد اُخِذوا ظلما وعدوانا , وأن من قُتِلوا في معتقلاتها قد ذهبوا هدرا وطغيانا , وأن من أستشهدوا خلال الثورة قد ماتوا فجرا وبهتانا , ويري أيضا . . بعضهم وليس كلهم . . أن من قُتل من الشرطة لا يستحق الرثاء بل التشفي . . بينما يري الفريق الأول أن من قُتِل تعذيبا وهتكا لعرضه داخل المعتقلات فهو إما مُستحِقا وإما كان سيستحق لو تُرك بالخارج حينا من الدهر , ويروا أيضا أن من قُتل خلال الثورة كان إما مستحِقا لكونه “إقترب” من قسم الشرطة , أو قُتل خطئا خلال تسارع الأحداث وتخبط محدثي الأحداث من الجانبين فلا يستحق أكثر من الأسف مع دقيقة فقط حدادا عليه , وبالطبع يروا أيضا . . كلهم وليس بعضهم . . أن من قُتل من الشرطة يستحق كل الرثاء وكل التبجيل . .

لنفصل قليلا بين هذا وذاك . . كم منهما قد يكذّب حقيقة كون معظم ضباط الداخلية – من الأمن العام وليس المركزي – هم بالفعل ملفقون للقضايا معذبون للمشكو في حقهم من أجل إعتراف سريع ؟ . . كم منهما قد ينكر كون هؤلاء يعجزون عن تشغيل مخبريهم كمصادر حقيقية – وليس كشيوخ حارة – فيلجئوا للبلطجية والسوابق بديلا عنهم ؟ . . كم منهما قد ينكر كون هؤلاء يقومون كثيرا بإجبار أصحاب المهن وكبار التجار بالقيام بأعمال إنشائية أو بخدمات عينية لأقسام الشرطة وجهاتها فيقف كل منهم مكتوف الأيدي مكسور الأعين حينما يقع أحد القائمين بالخدمات هؤلاء تحت طائلة القانون متهما ؟ . . حسنا . . وكم منهما قد ينكر كون كثير من المتوفيين نتيجة تعاملهم مع الشرطة هم بالفعل مجرمون أو سبق لهم إرتكاب مخالفات جسيمة ؟ . . وكم منهما قد ينكر وجود الكثير من البلطجية وهاربي السجون في الشوارع خلال الثورة وبعدها وإمكانية وقوعهم خطئا تحت مسمي “شهيد” ؟ . . أعجز حقا ألا أري الأمور من وجهة نظري الخاصة . . أعلم أن من بين ضباط الأمن المركزي ممن تواجدوا بالميادين من تسبب – دعنا لانخوض الآن في النوايا – في قتل مصريين , ولكني أعلم أيضا أن من بين ضباط الأمن العام ممن يتواجدوا – بصفة عامة – بالأقسام من تسبب – ولا تهمني النوايا بقدر النتائج – في قتل مصريين , وأعلم وأنا أري الآن أن الله يعلم أيضا , أعلم أن من بين الضباط القتلي علي أيدي بلطجية أثناء أدائهم لأعمالهم من لم تمس أيديهم قطرة دماء ملوثة , وأعلم أنه قد يكون من هؤلاء أيضا من يواجَهوا الآن بإتهامات بين أروقة المحاكم , أنا لا أدافع هنا عن أحد حتي لا اُتهم زورا , أنا فقط أثق في حكمة الله في تصرفه بشئونه , وأنه كما ينص دستور جمهورية مصر العربية ” المنتظر” بأن لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص , فإن الله أيضا لا يعاقب أحدا إلا بقدر ما أذنبه , فإذا سُجن أحد الضباط في قضية قتل “متظاهرين” فحتما ولا بد أنه مذنب , ولكن ذنبه قد لا يكون لقتله متظاهرا “وأقول قد”, وإنما لتعذيبه مواطنا , أو لتلفيقه قضية , أو لتجبّره في الأرض “في حالتي ضباط الأمن العام والمركزي علي حد سواء هنا” , وكذلك إذا قُتل مواطنا علي أيدي شرطيا فهو مذنب لا محالة , ليس شرطا بواقعة يعذبه عليها الشرطي وإنما لذنب إرتكبه سابقا في حياته , نعم أنا أثق أن الله يمهل ولا يهمل , ونعم أنا لا أحزن علي من يُعذَّب أو يُسجن , ونعم أنا لا أؤمن تماما بمقولة ” ياما في الحبس مظاليم ” , وبالمناسبة أود هنا أن أشير إلي فارق كبير بين من يُعدم ومن يُقتل بيد آخر , فالأول يُقتل طبقا للقانون , أما الثاني فيُقتل طبقا لغوغائية وجرم بيّن , وبالطبع فالأول هو عقوبة أما الثاني فهو قضاء وقدر , قد يتساءل البعض وما ذنب من يَقتُل ليعاقب الله به من يُقتَل ؟ . . بالنسبة لي فأنا أؤمن بالدعاء التالي – اللهم إضرب الظالمين بالظالمين وإخرجنا منهم سالمين – وأشاهده يتحقق يوميا .

أشاهد من يبكي من الفريقين وأتذكر حديثا دار بين محاور ما والشخص المدعو “عشماوي” الذي يتولي إجراء عمليات الإعدام في مصر , حدث أن سأله الأول بكيف يتسني لك أن تحتمل قتل نفس بيدك وأنت لا تدري أقتلت ظلما أم حقا , فأجابه الثاني بأن الله يدري , وأنه يثق بأن العقوبة التي ينفذها هي لجريمة إرتكبها المحكوم عليه بالإعدام في حياته عامة وليس الجريمة محل الإعدام خاصة , فهي إهانة إرتضاها الله له كفارة لذنبه , لذا فلا يضيرني أبدا ألا أدري بواطن الأمور .

إذن . . دعنا لا نتعجل أحكام القضاء , وهي بالواقع قضاء الله سبحانه وتعالي , دعنا لا ندافع عن أحد لمجرد الهجوم علي الطرف الأخر فهو غير مَعنِي , دعنا نثق أن من سيسجن في النهاية هو من يستحق , ومن يمارس عمله هو إما برئ أو سينال عقابا آخر , وأن من لازال قيد المحاكمة لا زال في علم الغيب , دعنا حين نقل ” ربنا هو اللي هيجيبلي حقي ” نؤمن بها حقا ولا “نولول” ولا نتظاهر ولا نقطع طريقا .

أعلم أن هناك من قَتَل وما زال حرا طليقا . . وأعلم جيدا أن العقوبة لن تأتي بائنة وجلية أكثر مما سيرتضيه الله .

أعلم أن لكل مقتول أم , وأعجز عن أجد لها كلمات تكفي لأريح قلبها , إلا أنني أثق أن إبنها لو بيده – وهو يعلم الآن – لأراحها من همومها وأخبرها بأنه إستحق ما إستحق , وأن الله لا يرضيه سوي العدل والعدل فقط.

بقلم مصطفى فوزي

زر الذهاب إلى الأعلى