أعمدة

منتصر الزيات | يكتب : حدود الولاء والنصرة

منتصر زياات

الذى لا شك فيه أن المجتمع المصرى انقسم، وجاءت الآثار المترتبة على الانقسام سلبية تكرس التشاحن والتباغض والكراهية، ولعلها قسمة قريبة الشبه سواء بتلك التى أرادها بوش الابن حينما قال «من ليس معى فهو ضدى»، وأيضا الراحل أسامة بن لادن رحمة الله عليه حينما قسّم العالم بعد سبتمبر 2001 إلى فسطاطين.

انقسم المجتمع فى مصر إلى إسلاميين وعلمانيين، أصحاب خلفية إسلامية وخصومهم أصحاب خلفية علمانية، ولم أشأ أن أستخدم هنا «إسلامى ومدنى»، لأن الإسلاميين يقولون إنهم أيضا مدنيون وليسوا رجال دين، ويقول البعض إن مقابل المدنى هو العسكرى، المشكلة فى الموضوع أن كلا الفريقين لا يرجو فى الآخر نفعا، تم شيطنة العلاقة بينهما فأحدهما شيطان فى نظر الآخر.

كنت فى ميلانو الأسبوع الماضى هتف فى وجهى «إسلاميوها» عاجبك صاحبك حمدين صباحى لما جه هنا عقد مؤتمره فى كنيسة!! قلت لهم لعل الأمر تعلق بقاعة تؤجر لمثل هذه المؤتمرات ومثل هذه الأمور اللوجستية لا يهتم بها الضيف وإنما المضيف أى الجهة صاحبة الدعوة، واستطردت موضحا: يعنى مثلا أنا فى القاهرة أحيانا أعقد ندواتى أو أحضر مؤتمرات حقوقية تعقدها جمعيات ومراكز حقوق الإنسان فى قاعة بجمعية أبناء الصعيد داخل إحدى كنائس القاهرة. رفض الذين يحاوروننى هذا المنطق فى الدفاع أو تبرير موقف عارض.. هكذا «التلاكيك» هى سيدة الموقف فى العلاقة المأزومة بين الإسلاميين والليبراليين العلمانيين أو أطلق عليهم ما شئت من التعريفات.

أنا بالطبع أفهم حدود الولاء والبراء فى الشريعة وفى أخوة الدين الإسلامى امتثالا لقوله سبحانه «والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم» (التوبة: 71)، لكن الوطن أيضا له ولاءات ونصرة، والمواطنون داخل الدولة ينبغى أن تكون بينهم ولاءات أو حقوق وواجبات، ولقد ضمنت كل الدساتير حدود العلاقة بين المواطنين فى باب الحقوق والواجبات، وحينما تراعى حدود المواطنة بنصوص وتدابير ترتقى لمصاف الثقافة فتشيع ثقافة التوافق والتراحم تتراجع ثقافة الكراهية وكما يقولون بالبلدى تعرف حدودك.

لقد خاطب الأنبياء أقوامهم بخطاب الرحمة، وهم فى مقام التكذيب واللعنة «وإلى عاد أخاهم هودا» «وإلى ثمود أخاهم صالحا» «وإلى مدين أخاهم شعيبا» وهكذا.. فالرائد لا يكذب أهله والناصح لا يغش قومه.

ليس مطلوبا أن تصاب علاقة المواطنة «بالميوعة الفكرية» لست أعنى هذا، بالعكس ينبغى أن تتحدد المواقف وتبقى معلنة دون أن تنعكس آثارها سلبا على تلك العلاقة الوطنية وما يمكن وصفه بأخوة «الإنسانية» أو «المواطنة»، يعنى نختلف دون أن يصاحب هذا الاختلاف تكون لثقافة الكراهية والتباغض، ودون أن تصل الأمور لأن يسعى بعضنا لإسقاط الآخر لو وصلت العلاقة لهذا المنحدر المأزوم يدخل العباد والبلاد فى مراحل متأخرة حيث تسود الفوضى ويتكرس العنف ويبقى التربص هو سيد الموقف.

لست أدرى هل أقدم بهذا الفهم «أمانى حالمة» لا مكان لها فى عالم السياسة؟
لا شك أننا نعانى خللا عميقا فى طريقة ترتيب علاقاتنا الوطنية بتراتيبها الحياتية، اللافت أن أسلافنا حتى مستوى قريب لأجدادنا الذين لم نذكر قسمات وجوههم علمونا التسامح دونما تعقيدات، فتداخلت بيوتاتنا أقباطا مسلمين ومسيحيين، فالقبطى مصرى مسلما كان أو مسيحيا، ومصر تختلف عن أى بلد آخر فى عالمنا العربى، لا توجد فيها أحياء للمسلمين وأحياء للمسيحيين وإنما داخل العقار والبيت الواحد تتقابل الشقق فى الدور الواحد يقطن إحداها مسلم والأخرى مسيحى، وأنا شخصيا الشقة الملاصقة لى تماما الحيط فى الحيط كما يقولون يسكن صديقى المسيحى الطيب نتبادل الزيارات فى المناسبات وبدونها أيضا. كشف الفريق أحمد شفيق عن معاناة الانقسام أيضا وأبان قدرا لا بأس له من عمق الاختلاف بيننا كمصريين عندما كشف النقاب عن اتصالات جبهة الإنقاذ به عندما أوفدت المخرج السينمائى خالد يوسف ليفاوضه فى دبى، وهى الآن تتبرأ منه أى جبهة الإنقاذ.

دافعت عن الجماعات الإسلامية بتنوعاتها وفصائلها عمرى كله، جهرت بكلمة الحق فى وقت ندرت فيه قولة الحق على طول أيام مبارك وعرضها، والآن كثر العرافون وأطل كثير يدعون الشجاعة، دافعت عنهم فى وقت صعب، دافعت عن حقهم فى أن يعبروا عن أفكارهم ومعتقداتهم بحرية.. اليوم لا يقبلون منى أن أدافع عن حق باسم يوسف فى أن يعبر عن آرائه وأفكاره بطريقة ساخرة وكوميدية!!

صنف ممن يبدون شجاعة منقطعة النظير حاليا، لم يكن ينبت ببنت شفة ضد مبارك.. قليلون من الرجال فعلوها عبدالحليم قنديل، جوج إسحاق، حركة كفاية، مجدى أحمد حسين، قادة وأعضاء الجماعات الإسلامية الذين دخلوا السجون ثمنا لكلمة الحق وبقوا داخلها أحلى سنوات عمرهم، كل هؤلاء قالوا وصدعوا فى وجه مبارك بلا تذويق للكلمات.. لكن آخرين هذبوها.

صحيح لا يجب أن نقارن بما حدث فى زمن مبارك بما ينبغى أن يكون بعد الثورة، فقد ثرنا لنتحرر لنملك الحرية فلا يغلقها طاغية من بعده، والخوف من ترسانة مبارك وزبانيته لا ينبغى أن يتكرر مع الدكتور مرسى، فالعبدلله مع حق الناس فى التعبير عن معارضتهم للرئيس والتظاهر السلمى، لكنى وينبغى أن نكون كلنا ضد العنف فى القول أو العمل، فالرئيس مرسى يبقى رئيسا للمصريين الذين أيدوه والذين رفضوه، إهانته لا تليق بأمة متقدمة.

بقلم | منتصر الزيات

المصدر

Eman Salem

كاتب صحفي ورئيس تحرير موقع الشرقية توداي
زر الذهاب إلى الأعلى