مقالات

منى الشماخ | تكتب : قضايا مُعلبة

منى الشماختمر المجتمعات بعدة مراحل من الضعف والقوة ،ولكل مرحلة نوعيتها الخاصة من القضايا الفكرية ،فنرى القضايا الجادة التي تهدف لتغيير المجتمع والارتقاء به ،تسود المجتمع أوقات القوة ،بينما تسود الأفكار “الهلامية”التي لاتهدف سوى الجدل ،وتُدخل المنشغلين بها في حلقات نقاشية مفرغة تتطابق فيها نقطتا البداية والنهاية.

أرى أن مجتمعاتنا تعيش هذه الحالة الآن ، فينشغل “مثقفونا” كل فترة بقضية معينة يثار حولها الجدل ،وتتسابق وسائل الاعلام لمناقشة هذه القضية ، واستضافة من يطلقون عليهم “المختصين”.

وينتهي موسم النقاش وتنتهي القضية إلى لاشئ ، وفجأة تختفي الأصوات ، ويغلق باب الحوار فجأة كما فتح فجأة .

قضايا ضد الحل ، فهي لم تثار لتحسم وانما لتثير الغبار حولها ، غبار هدفه بالطبع التعمية والتعتيم على أشياء لا نريد أن نراها أو يراها الآخرون ، على طريقة “بص العصفورة” ، ثم نضع القضية في “العلبة” لحين الحاجة اليها مرة أخرى .

وعلى الرغم من ضعف أهمية هذه القضايا عادة ، وعدم جدواها للمجتمع الا أنها تجد رواجا كبيرا ،لأن الحديث فيها لايحتاج الا قدرة على اللغو بالاضافة الى قدرة الاعلام على اعطائها مزيد من الجاذبية والأهمية بفرضها على الجمهور وادارة معارك كلامية تنتهي دائما بالصمت.

لا أقصد بالطبع من يعرض قضايا قديمة لم تحسم أو تم وضع حلول لها لم تعد مناسبة لعصرنا ، فبالتأكيد اعادة طرح مشكلات قديمة بهدف ايجاد حلول عصرية أمر يؤدي الى تغيير المجتمع وتطوره.

لكن المشكلة الحقيقية تكمن عندما نناقش تلك القضايا “المُعلبة ” عن طريق طرح الحلول ” المُعلبة” أيضا.
فبدلا من محاولة عرض وجهات نظر جديدة لهذه القضايا القديمة نكتفي بالتحيز لآراء سابقة .

وغالبا تكون “المرأة” هي القاسم المشترك لهذه القضايا ، “نقاب المرأة” ، “ختان المرأة” ، “عمل المرأة” ، “تعدد الزوجات”، إلخ… ، وغيرها من الموضوعات التي انتهت فترة صلاحيتها في المجتمعات المتقدمة لكننا لازلنا نتهافت على استهلاكها.

أرجو أن نتوقف عن الاجترار الفكري وأتمنى أن نقدم جديدا ،وأن نستخدم عقولنا في ايجاد حلول لمشكلات حقيقية ،بدلا من ضياع الوقت والجهد في مطاردة “عصافير” تلهينا عن مشاهدة الصورة الحقيقية.

أن يكون البحث عن الحقائق وتقديم الحلول هو الهدف من اثارة القضايا والاختلاف حولها ، لا أن يكون الخلاف هدفا في ذاته .

  الآراء المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رآي الشرقية تودايأنما تعبر عن رآي كاتبها .

زر الذهاب إلى الأعلى