مقالات

متولي عبد الغني| يكتب: نبذ العنف والتعصب والتطرف والإرهاب والعودة لسماحة الإسلام

التطرف
متولي عبد الغني

لقد اختار الله لأمة الإسلام منهجها وبيّن لها طريقتها، فهي وسط بين الأمم وطريقها هو الطريق المستقيم الذي لا عوج فيه.

وقال تعالى: «وكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ ويكون الرسول عليكم شهيدًا»، فهي أمة الوسطية التي تسعى لتحقيق مبدأ التوازن الذي تقوم عليه سنة الله في خلقه.

دينها وسط بين الغالي فيه والجافي عنه، كالوادي بين جبلين والهدى بين ضلالين، وإنّ الابتعاد عن هذا المبد الوسط يعتبر افتراء على الله في حكمه واستدراكًا عليه في شرعه.

إنّ وسطية الإسلام وسماحته لا تؤخذ من العقول البشرية لكن تؤخذ من النصوص الشرعية، قال الإمام الشاطبي رحمه الله: فإن كان التشريع لأجل انحراف المكلف أو وجود مظنة انحرافه عن الوسط إلى أحد الطرفين، كان التشريع ردًا إلى الوسط الأعدال، وإننا حينما نتكلم عن مظاهر الوسطية في الإسلام نتكلم عن أمور كثيرة ومتغلغلة في جميع شعائر الدين وفرائضه، من عقائد وأحكام وعبادات ومعاملات وعلاقات.

أيها الإخوة: إنّ دين الإسلام والمتمسكين به براء من الانحراف عن الوسط، والذي ينصرف عنه بغلو أو جفاء لم يتمسك بالإسلام بكماله، وهو غير ممثل له وإنّما يمثل نفسه، وإنّ الخروج عن هذه الوسطية يؤدي حتما إلى الوقوع في أمر خطير، ألا وهو الغلو أو ما يعرف بالتطرف.

وقد حذر النبي صل الله عليه وسلم من هذا الأمر الذي فتك ولا يزال يفتك بالأمم التي تحيد عن الوسط: ففي حديث ابن عباس رضي الله عنهما، أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إياكم والغلو في الدين، فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين» رواه أحمد النسائي وابن ماجة.

ولو سأل أحداً لماذا كان الغلو سببا للهلاك؟

– لأن الغلو «التطرف» شجرة خبيثة إذا نمت نما معها أشواكها الحادة، ومن أشواكها الحادة التعصب و التنازع والتدابر والبغضاء وغالبًا ما يصل الأمر إلى سفك الدماء.

– لأنّ المغالي المتطرف والمتعصب يرى نفسه أنه وحده هو السالك لمنهج الحق والصواب وأنه بذلك صاحب الشرعية و المشروعية و إصلاح أحوال الأمة مهما تكن الوسائل التي يقتضيها هذا الإصلاح وهذا ما يفعله الارهاب.

و لو تفحصنا القرآن الكريم من أوله إلى آخره وفهمناه كما فهمه العلماء المعتدلون الناصحون، ما وجدنا فيه إلاّ ما يحذر من الغلو و التطرف.

و قد نشّاد القرآن الكريم رسول الله صل الله عليه وسلم في ظل الرحمة، و في ظل السماحة. ألم يقل الله عز وجل في كتابه لرسوله صلى الله عليه وسلم:« فَبِمَا رَحْمِةٍ مِّنَ اللهِ لِنتَ لَهُمْ وَ لَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَ نَفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَ اَسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَ شَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ».

أليس الإسلام هو الذي أرسى موازين العدالة المطلقة، متحررة من العصبية للعرق، متحررة من العصبية المذهبية، متحررة من العصبية للدين.

ألم يقل الله تعالى: «وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمِ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى».

أيها الإخوة المؤمنون: تأملوا نبي الرحمة – و إمام الأمة صلوات الله و سلامه عليه و هو يبين للأمة يُسر الدين و سماحته يبين الحال التي ينبغي أن يكون عليها أهل الدين مع الدين، ففي الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صل الله عليه وسلم قال: «إن الدين يُسر و لن يشاد الدين أحد إلاّ غلبه، فسددوا و قاربوا و أبشرُوا…»، و لفظ آخر للحديث: «القصد القصد تبلغوا».

و القصد هو الاقتصاد والتوسط و الإعتدال والبعد عن الغلو والتعصب والجفاء، و الإفراط و التفريط، و الزيادة والتقصير.

و من ثمّ جاء النهي من الحبيب صلى الله عليه وسلم عن التنطع وهو الغلو في العبادة و المعاملة، بحيث يؤدي إلى المشقة الزائدة، والشريعة لم تأمر إلاّ بما فيه يسر وسماحة و نهت عن التشدد و التنطع في الدين.

ففي حديث ابن مسعود رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : هلك المتنطعون. قالها ثلاثا أي المتعمقون الغالون المتجاوزون الحدود في أقوالهم و أفعالهم، وهذا ما تفعله الجمعات المتأسلمه التي تدعو الي العصبيه لقولهم ورأيهم والعنف والإرهاب.

وها هو الحبيب صلى الله عليه وسلم: الذي أرسله ربه رحمة للعالمين يصحح لبعض أصحابه بعض المفاهيم الخاطئة في مجال العبادات.

فهذا أنس بن مالك رضي الله عنه خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النبي يسألون عن عبادة.

فلما أُخبروا كأنهم تقالوها فقالوا: وأين نحن من رسول الله صل الله عليه وسلم وقد غفر له ما تقدم من ذنبه و ما تأخبر.

قال أحدهم: أما أنا فإني أصلي الليل أبدا و قال آخر: و أنا أصوم الدهر و لا أفطر و قال آخر: و أنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبدًا.

فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم فقال: أنتم الذين قلتم كذا و كذا، أما و الله إني لأخشاكم لله و أتقاكم له، لكني أصوم و أفطر و أصلي و أرقد و أتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني.

و الحديث إخوة الإيمان: أصل في أن الدين مؤسس على التوازن و العدل و التوسط في كافة شؤون الحياة، وفي الحديث إبطال لسنن أهل الجهل و الهوى، و في الحديث براءة من أهل التنطع في الدين و الغلو فيه.

إنّ الإسلام دين الرحمة و التراحم، دين المحبة و المودة، دين الأخلاق الفاضلة و هذا ما أرسل به خاتم الأنبياء و المرسلين،«وما أرسلناك إلاّ رحمة للعالمين».

و لكن للأسف أيها الإخوة المسلمون فنحن في زمن أسيء فيه للإسلام و المسلمين بسبب عدم الفهم الحقيقي للإسلام من بعض المنتسبين إليه، فحاد الكثير منهم عن جادة الصواب بأفكار و تصرفات غريبة عن الإسلام و المسلمين و هم بذلك يحسبون أنهم يحسنون صنعًا.

وأساءوا للأمة بتلك الأفكار و التصرفات فحولوا الإسلام إلى دين عنف وكراهية، وقسوة وشدة و فرقة، سفهوا العلماء و حكموا على الأمة بالجهل و الضلال، وأنه لا خلاص للأمة إلاّ باتباع ما هم عليه.

زر الذهاب إلى الأعلى