مقالات

هدير هشام | تكتب: الثانوية العامة ليست نهاية العالم

الثانوية العامة
هدير هشام

يمر الطلاب الآن بأصعب فترة في حياتهم، وهي انتظار نتيجة بعبع الثانوية العامة الذي تربى داخلهم منذ بداية التحاقهم بالإبتدائية .

لا يعلموا أنها مجرد شهادة تؤهل للتعليم الجامعي وليست نهاية العالم كما يظنون هم وأسرهم .

فكل خريج منا يخفي أوراقه التي هي عبارة عن بعض الشهادات الجامعية والتعليمية لا تفيد أبداً بل عقلك ومهارتك هي التي تفيد إذاً فالتعليم ليس كل شئ .

فمرحلة الثانوية العامة مر بها الأغلبية العظمى من أجيال أواخر السبعينات ومستمرة حتى يومنا هذا، ولا أبالغ حين أقول إننا صبغناها بصبغة الرعب، فعند سماعنا كلمة ثانوية عامة تتسارع نبضات القلب بالقلق، فمهما مرت الأعوام ستظل الأجيال المتعاقبة تعاني من نفس الأعراض الموسمية المصاحبة لموسم لنتيجة الثانوية العامة.

فالثانوية العامة بها أكثر من نصف مليون طالب وطالبة، يعيشون مع أسرهم في مرحلة صعبة حاليًا، بصرف النظر عن مدى تفوقهم واجتهادهم، ولكن يستمر هذا مسلسل ليصل إلى ذروته مع إعلان النتيجة.

لنجد أن الكثير يعبد أوهام وأصنام ومخاوف صنعناها ولازلنا نطوف حولها وأكبر هذه الأوهام كليات القمة، التي نقدسها كما عبدها آباؤنا الأولون .

فعند ظهور النتيجة ولم يحصل الطلاب على مايتمنون، تسيطر الحيرة والحزن على أسرهم، والبعض لا يشعر بالرضا عن المجموع.

فالطلاب المتفوقون الذين حصلوا على درجات ليست كما كانوا يحلمون، تصيب أغلبهم حالة اليأس لأنهم لايصلون إلى كليات القمة التى ينشدونها وتحلم بها أسرهم التي تحملت من أجلها ما يفوق طاقتها ويضطرون للاختيار بين رغبات قد تبتعد عن رغباتهم الحقيقية.

وبعض الآسر تستمر في فرض حالة الضغط على نفسها وعلى الطالب الضحية بإلحاقه بإحدى كليات القمة فى الجامعات الخاصة.

ونجد الطالب ذوي المجموع الضعيف على مكان يقبل مجموعهم «والسلام»، تحاول الأسرة أن تلحقه بإحدى الجامعات أو المعاهد الخاصة أيضًا إذا كانت ظروفها المادية تسمح.

ورغم أن الكثير من خريجيها لا يزالوا عاطلين لا يجدون عملًا يناسب مؤهلاتهم، ومنهم خريجي الطب والهندسة والإعلام والصيدلة والسياسة والاقتصاد، بينما أتاحت كليات أخرى لا تصنف ضمن كليات القمة لخريجيها مجالات عمل أوسع.

فالكثير من الشباب حققوا نجاحات في مشروعات صغيرة ومجالات اكتشفوا مواهبهم فيها قد تبتعد عن مؤهلاتهم، أو اختاروا كليات ومعاهد لا تنتمي لأصنام كليات القمة وتطوروا أنفسهم فيها فحققوا التفوق والنجاح في سوق العمل.

شبح البكالوريا

ماذا فعلت بنا تلك التجربة.. للدرجة التي جعلت مجرد ذكر اسمها كفيلًا باسترجاع كل دفعات المشاعر السلبية.

فالحياة أكثر اتساعًا من مجرد مكان في كلية والاختيارات أكبر جدًا من طب وصيدلة وهندسة، فتلك الاختيارات التقليدية لم تعد هي مجالات العمل الوحيدة في الحقبة الجديدة.

فعلم أيها الطالب سوق العمل مليء بنماذج ناجحة لم يكن لها نصيب كبير في حصد درجات عالية في الثانوية العامة، وبعضهم لم يكن لمؤهلاتهم علاقة بالمهن التي عملوا بها.

يا إلهي!! كما كنا صغارًا حين بكينا وانهرنا لأجل درجة أو اثنين في الثانوية العامة.

فيا عزيزي الحياة أكثر اتساعًا من كل هذا الضيق، ليس مجموع درجاتك ولا حتى شهادتك، من يؤهلك لتلك المنافسة، إنما مهاراتك الشخصية واللغوية.

فلا تنظر في اتجاه واحد ولا تضع عينك على كليات القمة فقط وتعتبر أنك خسرت إذا لم تلتحق بها.

لا تشعر بالقهر إذا لم تحصل على مجموع كبير، فنجاحك في الحياة والعمل لن يتحقق به، بل بأمور أخرى لا علاقة لها بالمجموع.

فكلما اتسعت للعالم أدركت كيف كانت الثانوية العامة ضيقة وصغيرة وغير مصيرية بالمرة! إنها مجرد خطوة عادية، خبراتك وقراءاتك كلها أمور تحصل عليها بنفسك لا تمنحها لك جامعة ولا تضمنها لك درجات وهي من تساندك في الحياة.

فيا أيتها الأسرة تحرروا من عبودية أصنام سميناها كليات القمة ولا تجبر أبنائكم على الدوران في ساقية المجموع والوجاهة الاجتماعية للكلية التى تريدوا أن يلتحقوا بها.
.
ودعوهم يفتشون عن مواهبهم ويعبرون عن رغباتهم ويحققونها، ولا تقلوا من اختياراتهم ولا تجبرهم على دراسة ما تحبوا أنتم.

حظ موفق في تلك الخطوة البسيطة في مشوار واسع وممتد مدى الحياة.

زر الذهاب إلى الأعلى