مقالات

هدير هشام | تكتب:«الفرانكو آرب» خطر يهدد اللغة العربية

هشام

«أنا البحر فى أحشائه الدر كامن» قالها «حافظ إبراهيم» يوماً ولم يكن يعرف أن البعض سيحاول تقطيع تلك الأحشاء، وتخسر اللغة العربية الفصحى هوايتها وتراثها التي ينطق بها نحو «423» مليون نسمة حول العالم معركتها ضد اللهجات العامية المعاصر.

فلم تتعرض لغة لمثل ما تتعرض له «لغة القرآن الكريم» حالياً من تشويه وتحريف وتخريب وترميز واستخدام الكتابة العامية بدلاً من الفصحى التي لم تكتب بحروف عربية بل لاتينية، حيث عرفت بلغة «العربيزي» أو «الأرابيش» أو «الفرانكو آراب» .

 أصل الفرانكو آرب

فهى لغة مكتوبة تستخدم الحروف اللاتينية والأرقام العربية للدلالة على منطوق عربي، ويتم فيها تعبير الأصوات الغائبة عن الأبجدية الإنجليزية بأرقام مثل استبدال الرقم (3) بحرف العين والرقم (7) بالحاء والرقم (5) بالخاء وغيرها من رموز .

وغالبية من يكتبون باللغة «الفرانكو آرب» لايعرفون أصلها فترجع إلى زمن سقوط الأندلس فى أيدي الفرنجة وزمن محاكم التفتيش الأوروبية، فكانت الأندلس مليئة بالمسلمين حتى بعدما احتلها الأسبان الذين كانوا يتعاملون مع المسلمين بقسوة شديدة .

وفى البداية أخذوا المصاحف ومنعوا الصلاة فى المساجد حتى وصل الأمر إلى أنهم جعلوا من يتحدثون العربية يكتبونها بحروف لاتينية وهى ما تعرف بـ «الفرانكو» وظلوا هكذا حتى وصلوا إلى جيل كامل لا يعلم هل هم مسلمون أم لا؟ وهم من يعرفون باسم الموريسكيين اختصار «المور».

وقد اختفت هذه اللغة فترة طويلة لكنها بدأت فى الظهور مرة أخرى مع بداية الألفية حيث انتشرت تلك اللغة بين الأفراد على مواقع التواصل الاجتماعي الفيس بوك وتويتر وتطبيق واتس اب والمنتديات والمدونات باستخدام الحروف الإنجليزية والأرقام.

ويرجع استخدام «الفرانكو آرب» إلى سهولة كتابة اللغة الإنجليزية بالنسبة لبعض الشباب نتيجة لنظام التعليم أو عدم دعم نظام التشغيل والمواقع للفصحى، والبعض الآخر يعتبر نفسه إذا لم يتحدث بهذه اللغة فإن أصدقاءه سيعتبرونه متخلفًا ولا يسير في ركاب الموضة .

التحريف غير مقبول

الاستسهال في استخدام الحروف والأرقام والرموز الإنجليزية واختزالها في سطور عربية مبعثرة ينبئ بظهور جيل ضعيف لغوياً تائه ثقافياً فاقداً هوية،  فطالب المتوسطة والثانوية والجامعية اليوم يتحدث بالعامية ويحاور ويتفاهم بها ولا يعرف غيرها من وسيلة تواصل لفظي وهذا أكثر ماصار مزعجاً في الأونة الأخيرة .

فذكر الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز عن تحريم كتابة القرآن الكريم بالحروف اللاتينية أو غيرها من حروف اللغات الأخرى وذلك لأن القرآن قد نزل بلسان عربي مبين حروفه ومعانيه فقال تعالى:« وإنه لتنزيل رب العالمين نزل به الروح الأمين على قلبك لتكون من المنذرين بلسانٍ عربيٍ مبين» والمكتوب بالحروف اللاتينية لا يسمى قرآناً ولكن يعد تحريفاً له .

مشروع تحديث الثقافة العربية 

وفي الأونة الأخيرة أعدت الإدارة الأمريكية مشروع «تحديث الثقافة العربية» والذي يهدف إلى تغيير شكل حروف اللغة العربية واستبدال اللغة اللاتينية بها، واعتبار هذا المشروع جزءاً من خطة الإصلاح والسعي نحو تطبيق الحرية والديمقراطية في أوسع معانيها، وأن أحد الأسس الهامة لتطبيقه تعلم التلاميذ والطلاب في الجامعات وكذلك المثقفون طريقة جديدة لكتابة اللغة العربية والتعبير عن المعنى الذي يريدون توصيله إلي الآخرين.

ويقول المشروع الأمريكي: إن العرب يصرون الآن علي أن يكون حوار الحضارات والثقافات برنامجاً حقيقي من أجل التقريب بين الشعوب العربية والغربية وعليهم أن يدركوا أن تحقيق ذلك لن يكون إلا من خلال الاتفاق على تغيير أشكال اللغة العربية والتأثير علي المحتوى الثقافي الذي يمكن أن تعبر بيه الأجيال القادمة.

أهداف أعداء اللغة

ويرى المشروع أن الذي سيساعد على إقناع الدول العربية والإسلامية التي تعتمد أشكال هذه اللغة كمكون رئيسي لثقافتها هو أن الكتابة على الورق بدأت تفقد الكثير من أهميتها التي كانت قائمة قبل ذلك، والكتابة الإلكترونية في ذاكرة الحاسب ستصبح هى الأساس في بناء التفاهم المشترك والتواصل مع الأخرين .

وعلى الرغم من أن اللغة تعد من مكونات الشخصية ولكل أمة ملامح هويتها وتراثها ومستقبلها وتذويب اللغة العربية ومحاولات طمس معالمها بقصد أو بدونه سيبعد عنها أبناءها، وسيضعف الانتماء لمصدر تميزنا وثقافتنا وتراثنا العربي الإسلامي .

توعية الشباب

وأجد أن مشكلة تشويه العربية مرتبطة بأمرين أكثر عمقًا هما كون اللغة الإنجليزية اليوم هى اللغة الأولى في مواقع الشبكة العنكبوتية وبرامج الحاسب وأنها لغة العلم والثقافة، ومرتبطة أيضاً بأزمة الهُوية العربية والإسلامية عند الشباب وبحجَّة التقارب بين الحضارات الغربية والشرقية والعربية وهذا قضى بأن يكون استعمال الشباب الحرف اللاتيني أكثر مِن استعمالهم الحرف العربي .

فيجب توعية الشباب بهذا الخطر وتنمية مشاعر الانتماء للغة والوطن في المدارس والجامعات والإعلام والمساجد ونشر البرمجيات التي تعمد على اللغة العربية في الكتابة .
وكما إن السعي في هذه الحرب ليس خياراً بل هو واجب وجهاد لا يجب أن تغفل العين عنه وعن الوجه القبيح لكل الوسائل التي تجذب شبابنا الساذج الذي نتركه لقمة سائغة في أيدي أعداء الوطن .

 

 

زر الذهاب إلى الأعلى