أعمدة

وائل قنديل | يكتب : هيستيريا دق طبول العسكرة

wa2l-kandel
تتدحرج هيستيريا النداء على الجيش للعودة مرة أخرى إلى مستنقعات السياسة من صفحات الفضاء الإلكترونى إلى واقع الجماعة السياسية، على نحو يصيبك بالأسى على ما وصلت إليه «النخب» السياسية.

إن أحدا لا يريد أن يستوعب أن المؤسسة العسكرية خرجت من تجربة العامين الماضيين مثخنة الجراح مما أصابها من إقحامها قسرا فى تفاصيل العملية السياسية، وتحاول الآن ترميم الصورة التى تعرضت لكثير من الشروخ، وبالتالى فهى لن تغوص فى هذه البحيرة المليئة بالزجاج المكسور والطحالب والمخلفات الفاسدة مرة أخرى.

وبصرف النظر عن أن محاولات الاستدعاء والتوريط والتفخيخ وتأليب مؤسسات الدولة على النظام لن تؤتى ثمارا، دعونا نتخيل سيناريو افتراضيا مستحيلا يقوم على استجابة الجيش لهذه الهيستيريا.

وما عليك إلا أن ترجع إلى بدايات القصة منذ 11 فبراير 2011 حين وجد العسكريون أنفسهم فجأة قائمين على إدارة عملية سياسية شديدة التعقيد، فواجهوا قائمة طويلة من الاتهامات لا تزال مشرعة حتى هذه اللحظة، من قتل وتعذيب الثوار والنشطاء، حتى الانحياز إلى فصيل الإسلام السياسى وتسليم البلد للإخوان كما يقولون.

ومن هنا يبدو مفارقا ومثيرا للشفقة أن يستنجد بعضهم بمن اتهموهم هم أنفسهم بأنهم الذين جاءوا برئيس إخوانى إلى سدة الحكم، وهذا أمر لا يستقيم منطقا ولا سياسة، فإذا كانت المؤسسة العسكرية قد وصمت بالانحياز والميل إلى الإسلاميين سابقا فكيف يعقل أن تكون هى طوق النجاة منهم لاحقا؟

وإذا افترضنا أنها دخلت مرة أخرى إلى المشهد فهل لهذا الدخول مسمى إلا «الانقلاب» على رئيس منتخب انتخابا تم تحت إشراف وإدارة المجلس العسكرى، وهى الانتخابات التى لا تزال المؤسسة العسكرية بها حتى الآن؟

ولنهمل المسميات ونستمر فى هذه الفرضية: ماذا بعد أن يعود الموقف إلى نقطة الصفر، وإسقاط نظام منتخب.. كيف ستدار البلاد عندها؟ لا شك أننا سندخل مرحلة انتقالية جديدة تدار فيها البلاد عسكريا لفترة معلنة من الوقت، ثم بالضرورة تنشأ مشكلات اقتصادية واجتماعية وأمنية تمد أجل المرحلة الانتقالية.. ثم احتراب سياسى على: تعديلات دستورية أم دستور جديد.. وانتخابات برلمانية أولا أم رئاسية أم مجلس رئاسى انتقالى؟ مدنى أم بمشاركة عسكريين؟

وعليك أن تأخذ فى الاعتبار أن كل ذلك من المفترض أن يدور فى مناخ شديد الاحتقان، حيث الكل يتربص بالكل ويخونه، بالتوازى مع أوضاع اقتصادية شديدة التردى، وشارع غاضب وساخط وملتهب الأعصاب، الأمر الذى سيحدث معه بالضرورة أزمات وتوترات وتظهر محطات للصدام لن تختلف ملابساتها كثيرا عما عشناه على مدى عامين كاملين.

وعليه فإن هذا الشبق غير المعقول لدق طبول العسكرة مرة أخرى لا يعنى سوى إنفاق شهور وأعوام أخرى فى الاشتباك السياسى والنزيف السياسى والاجتماعى، وكأن شيئا لم يحدث، وأحدا لم يتعلم.

ويبقى هذا النكوص إلى «العسكرة» تعبيرا عن إفلاس سياسى وفقر فكرى مدقع.

المصدر

زر الذهاب إلى الأعلى