مقالات القراء

مقالات القراء| محمود سعيد يكتب : احلام الحرية في بلادي

سعيد

يستيقظ في الصباح على صوت منبه الموبايل، ينام ثانية فيرن المنبه بعد خمس دقائق فيستيقظ، ثم ينام مرة اخري، حتى يستيقظ فى النهاية، يجلس على حافة السرير ويدعك عينيه بعد ساعات قليلة من النوم، يتذكر الحلم الذي زارته فيه حبيبته هذه الليلة، احلام كثيرة متداخلة لا يميز فيها احد سواها، ينهض يرتطم بالحائط مرة وبمنضدة مرة اخري فيُسقط اشياءا كثيرة، عبوات مزيل العرق منها فارغ وممتلئ، الموبايل، المفاتيح، يتوضأ ويصلي الضحي أربع ركعات كما تعود.

ينظر للساعة فيدرك انه تأخر ككل يوم، يجمع اشيائه بسرعه، ينسي الكثير من متعلقاته وبينما هو يجمعها يظهر طيف حبيبته حوله كل فترة فينحيه جانبا، مرة فى كوب الشاي، مرة على اللاب توب، مرة على علم مصر المعلق بالغرفة، ينزل السلم مسرعا بينما يكمل ارتداء ملابسه، يجلس فى التاكسي ويبدأ يستوعب ما يحدث بفعل الهواء العابر من النافذة بجواره، يحسب الدقائق المتبقية على وقت العمل، وبينما هو متعجلا، يظهر طيف حبيبته كثيرا، يفكر فى أحلامه التى لم يتحقق منها الكثير، يفكر في أصدقائه، معارفه، مشاكل كان قد حكاها له بعضهم.

يصل الى عمله يلقى السلام ويجلس على مكتبه، يفتح اللاب توب، تظهر حبيبته الى جواره وتضع يدها على كتفه، ينظر اليها فتتلاشي، يتثائب ثم يغوص فى احلامه، يري نفسه واقفا فى مكتبه الخاص وينظر من الحائط الزجاجي الذي يطل علي… شارع راق بمدينة نصر … ربما .. احدى المساحات الخضراء بالقرية الذكية… ربما ايضا… يناديه احد زملاؤه فيفيق من حلمه ويرد.

أصبح متمرسا في مجاراة الحلم والواقع، في البداية كان الأمر شاقا، وبعد كثير من الصبر والمحاولة والمجهود استطاع ان يسير فى الطريقين معا، يعرف كيف يعمل للواقع، وكيف يبنى احلامه ويسعي لتحقيقها.

يخرج من مكان وظيفته بفرحة طفل يغادر بوابة المدرسة، يضع شنطة اللاب توب (كروس) ويهرع إلى المكان الذي يعشقه، المكان الذي شهد أول مرة يراها فيها، يبدأ في تفقد المكان، ينظر إلى الحوائط، الكراسي، بواقى الأشياء التى احترقت في وطنه جراء آخر غارة في سوريا، كل الموجودات.

يرى حبيبته فى كل ركن، ويسمع صوتها خلفه فينظر فجأة فلا يري شيئاً، يراها تبتسم هنا، وتبكي هناك، ترتدي الكوفيه الفلسطينية وتُـسحل فى شوارع القدس، يراها فى كل مكان، يجلس ويفتح الحقيبة، يخرج منها اللاب توب، وبعض الأحلام ، يأتي طيف حبيبته ويجلس إلي جواره، يرحب به، ويبدأ فى عمله الحقيقي الذي يحب.

يري نفسه سعد الشاذلي ، جيفارا، حسن فتحي، عبدالرحمن السميط، أي شخص ممن يعتبرهم أمثلته العليا فى الحياة، يعمل ويعمل حتي يمل، يستلقي على الأرض وينظر إلي السقف ، صوت “ماجدة الرومي” تغنى يملأ المكان، يعاود الجلوس والعمل.

يفكر كثيرا كثيرا، تري كيف تخبر شخصا أن الصفعة التى يتلقاها اخوه الانسان في مكان آخر هو نفسه الذي يتلقاها، كيف تخبره أن فرحه الحقيقي عندما يمسح ألم محتاج في أي مكان، عندما يفك أسر أسير، كيف تخبره أن الحلم واحد لا يتجزأ، وأن الوجع واحد لا يتجزأ، كيف تخبره أنه بينما يشعر هو بالراحة هنا، فهناك من يقتل ويعذب وتنتهك حرماته لتمسكه بدينه كمسلمي بورما، أو بثورته كثائري سوريا، أو بهويته كمناضلي فلسطين، كيف؟.. كلها أسئلة تؤرقه كثيرا ويبحث لها عن أجوبة.

وبينما طيف حبيبته قد نام إلي جواره وآذان الفجر يغسل الشوارع والأشياء من آثار الليل، يفرك عينيه ويكتب “ربنا أجعل عملنا كله خالصاً لوجهك الكريم، ولا تجعل لأحد غيرك فيه شيئ”.

وتبقين يا بلادي في دمي

بقلم : محمود سعيد

(( جميع ما ينشر على الموقع من مقالات القراء تعبر عن رأي صاحبها ولا تعبر عن رأي الموقع ))

Eman Salem

كاتب صحفي ورئيس تحرير موقع الشرقية توداي
زر الذهاب إلى الأعلى