أخبار العالم

آبار وعيون الفرافرة تنضب.. وأشجار النخيل والزيتون تتساقط

%d8%a2%d8%a8%d8%a7%d8%b1-%d9%88%d8%b9%d9%8a%d9%88%d9%86-%d8%a7%d9%84%d9%81%d8%b1%d8%a7%d9%81%d8%b1%d8%a9-%d8%aa%d9%86%d8%b6%d8%a8-%d9%88%d8%a3%d8%b4%d8%ac%d8%a7%d8%b1-%d8%a7%d9%84%d9%86

أشجار اصفرت أوراقها وتساقطت، ولم يبق منها إلا أعواد ذابلة، تقف كأشباح وسط البساتين الخضراء، تخيف أصحاب المزارع، وترعبهم فى ظل تمدد تلك الظاهرة بين أشجار «واحة الفرافرة»، حيث يعانى الأهالى من نقص شديد فى المياه، بعدما نضبت العيون الرومانية القديمة، وجفت الآبار التى حفرتها الدولة قبل عشرات السنين. ورغم محاولات وزارة الرى تفجير آبار استعواضية جديدة، فإنها باءت بالفشل بسبب إهمال عمليات التطهير المستمر، واستخدام سياسات خاطئة فى التعامل مع المخزون الجوفى.

وأصبحت أزمة نقص المياه هاجساً يزعج خيال أهل الواحة ليل نهار وهم يشاهدون أشجار النخيل والفواكه التى يمتد عمرها لأكثر من 30 سنة تتساقط، وشجيرات الزيتون تذبل ثمارها على الشجر قبل النضوج، ينظرون إليها فى حسرة وألم، فتلك الأشجار ميراثهم، وكل ما سيتركونه لأولادهم، حافظوا عليها هم وأجدادهم مئات السنين، حيث يهدد العطش أكثر من 350 فداناً من الأراضى التى يستخرج منها الأهالى لقمة عيش أبنائهم.

صخب شديد وجلبة كبيرة فى البستان، صرخات وسباب مستمر، مشادات بين الأهالى اشتعلت على أسبقية الرى، تصل مسامع المارة بمجرد السير بين أشجار النخيل، كان بينهم «جاد المولى» بجلبابه الرث، والتجاعيد التى تملأ وجهه، خرج من بستانه يتحدث بعصبية مفرطة، بعدما انتهى من ذلك الخلاف، يقول إنه يحدث شجار يومى على مواقيت الرى، خاصة أنهم فى الواحة يقسمون أوقات النهار بمواقيت محددة بالدقائق فيما بينهم.

أثناء السير فى الممرات الضيقة بين الحدائق، تختلط رائحة الزيتون برائحة كريهة تزكم الأنوف، فالرجل ورفاقه من أصحاب الأرض لم يجدوا مفراً من رىّ الأشجار بمياه الصرف الصحى، خاصة أن الأزمة يمتد تاريخها لأربع سنوات، لم يكفّوا فيها عن الصراخ والشكوى للمسئولين، ولكن دون جدوى، وحتى بعد حفر بئر قريباً من مزرعته لم تخرج قطرة مياه واحدة.

بجوار محطة المياه تظهر البئر التى انتهت منها الحكومة للتو، لا تخرج منها قطرة مياه واحدة.. محمد عبدالوهاب، موظف بمحطة المياه، يجلس بجوار البئر، يقول ساخراً: «ده ما شاء الله البير اللى حفرته الحكومة مطلعش ولا الهوا»، ويشير إلى أن البئر التى حفرتها الدولة مؤخراً تكلفت 2.5 مليون جنيه، ولكن لم يخرج منها شىء، وأن البئر المجاورة لها والتى جفت قبل سنوات، بعدما أهملت الوحدة المحلية عمليات تطهيرها والاهتمام بها، كان يُعتمد عليها فى رى مساحة 250 فداناً مزروعة بالبرسيم والقمح والذرة، بخلاف أكثر من 100 فدان من أشجار النخيل والزيتون.

ويترجل ذو الجلباب الرمادى، الشيخ أحمد عبدالمحسن، أحد عواقل كبيرة الركابية، قبل أن يقول لـ«الوطن» إن الواحة تستقر على أكبر مسطح مائى فى العالم، الخزان النوبى، ومع ذلك لديها أزمة كبيرة فى المياه، ويتذكر الرجل الخمسينى حينما كانت تعانى الواحة من وفرة فى المياه وقلة فى الأراضى المنزرعة، ولكن اليوم تعانى من نقص شديد فى المياه.

ورغم صغر سن «عبدالمحسن» فى حقبة الستينات، فإنه يتذكر جيداً عندما بدأت الدولة حفر الآبار على عمق 1200 متر وأكثر، وهو ما كان يفجر بئراً ذاتية التدفق عاشت لعشرات السنوات دون الحاجة لمواتير أو مساعدة فى رفع المياه للبساتين، ولكن الدولة ظلت تقصر فى عملية تطهير البئر، خاصة الوحدة المحلية بالواحة، والتى يحمّلها وزر ما آلت إليه الأوضاع، وكانت النتيجة اتجاه الدولة لحفر بئر أخرى بدلاً من تطهير القديمة، وجاءت البئر الجديدة للأسف على عمق أقل من البئر القديمة على عمق نحو 750 متراً أو أقل، فتسبب الحفر على عمق أقل فى جفاف العيون الرومانية التى يمتد عمرها لآلاف السنين وكانت تُستخدم فى رى شجر النخيل والزيتون.

فى فترة الستينات التى يعتبرها فترة اهتمام كبير بالواحة، كان يتوافد على الواحة ما سمى «قوافل التعمير» برفقتها بعض الخبراء الأجانب، وذلك لتأسيس مشروع الزعيم الراحل جمال عبدالناصر، لخلق واد آخر مواز لوادى النيل، وهو الذى أُسست على أثره محافظة الوادى الجديد، وجاء مع تلك القوافل مهندس ألمانى يتذكر الشيخ فضله فى تعليم أهل الواحة كيفية التعامل بشكل صحيح مع آبار المياه، وأن هناك معدلات أمان للآبار تتطلب عدم حفر آبار بجوار أخرى.

ولكن فى الوقت الحالى، لا يجد «عبدالمحسن» إجراء دراسات قبل الشروع فى حفر أى بئر، مما يتسبب فى إهدار كبير فى المال العام على حد قوله، حيث تحفر الدولة الآبار وتفاجأ بعدم وجود مياه، ويقول إن الخزان النوبى يتكون من 3 خزانات «سطحى على بُعد 300 متر، والأوسط على بُعد 700 متر، والثالث على بُعد 1200 متر»، هناك ضغط كبير على الخزان السطحى الذى كانت تعتمد عليه العيون الرومانية القديمة، وهو ما تسبب فى جفافها بعد حفر آبار على مسافات منخفضة.

ولكن على عكس ما يقول «عبدالمحسن» قامت الدولة بحفر البئر الجديدة فى محيط الآبار القديمة فى مسافة أقل من 10 أمتار، وعلى عمق المخزون السطحى لمياه الخزان الجوفى النوبى، ولكن لم تكمل عامين وجفت أيضاً، لتعود الدولة وتحفر بئراً جديدة فى نفس المحيط، ولكن على عمق 750 متراً، رغم مطالبة الأهالى مراراً وتكراراً بالحفر على عمق أكبر، لأن الآبار المحفورة على ذلك العمق أصبحت كثيرة للغاية فى الواحة، خاصة بعد مشروع الـ1.5 مليون فدان، وأن الخزان الجوفى السطحى، الذى يقع على عمق 350 متراً والخزان الأوسط 750 متراً، عليهما ضغط كبير، ويجب الحفر على عمق 1200 متر، وبالفعل جاء التكليف من المحافظة بحفر البئر الجديدة على عمق 1250 متراً.

لكن فوجئ «عبدالمحسن» وأهل الواحة بأن المهندس المسئول عن المشروع يقول إن المحافظة أرسلت أمر التشغيل على عمق 720 متراً فقط، وهو ما تسبب فى جفاف العين الرومانية التى كانت تسقى الواحة بأكملها مياهاً عزبة للشرب، ورغم ما قدمته القوات المسلحة فى الآونة الأخيرة من دعم الواحة بـ2.5 مليون جنيه لحفر بئر جديدة، وحسب رواية «عبدالمحسن» فإن المسئولين فى وزارة الرى حفروها أيضاً على عمق أقل من 1200 متر، وكانت النتيجة كما توقعنا الفشل، ولم تخرج مياه لينضم للآبار الجافة المصطفة إلى جواره.

كانت بوادر التنمية التى دفع بها مشروع الـ1.5 مليون فدان لها أياد بيضاء على الواحة، يقول الشيخ «محمد جلاب» أحد عواقل قبيلة القدادرة، إن مشروع الـ1.5 مليون فدان أفاد الواحة ولكن ليس بشكل كامل، حقيقة مهّد الطرق وربط بين الفرافرة ومحافظات الصعيد من خلال طريق «الفرافرة – ديروط»، بخلاف توسيع وتمهيد الطريق للقاهرة، بخلاف العمالة، ولكن للأسف لم تظهر آثاره حتى الآن على أهل الواحة حيث لم يستفد من أهل الواحة إلا فرد واحد استطاع الحصول على أرض من أراضى المشروع، ولكن ننتظر شركة الريف المصرى المسئولة عن تقسيم أراضى المشروع.

كان يظن «جلاب» أن اهتمام الدولة بالمشروع سيوازيه اهتمام مماثل بأهل الواحة، ولكن للأسف تحول المشروع من نعمة لنقمة، فأصبحت الفرافرة الأقل فى ميزانية الواحات البحرية، وإصرار محافظ الوادى الجديد اللواء محمود عشماوى على الرد على كل ما يعانونه من الأزمات بقوله: «كفاية عليكم سهل بركة ومشروع المليون ونص فدان»، حسب روايته.

وحاول «جلاب» والمجلس العرفى لقبائل الواحة استغلال عملية التنمية ليساعد رئيس الوحدة المحلية أكثر من مرة وعرض عليه ذلك أكثر من مرة ولكن لم يجد لذلك صدى، ولم تبق إلا الكلمات الجميلة والثناء لا غير.

نقص الخدمات والإهمال الذى يعانى منه الواحة، دفع مشايخ القبائل فى مجلس عرفى للمطالبة بالانفصال عن محافظة الوادى الجديد، فى ظل الإهمال الأزلى، بعدما وصلوا لحالة يأس، يقول «حلمى إدريس» أحد مشايخ قبيلة الركابية وعضو المجلس العرفى: «رغم ما كنا عليه من عدم وجود كهرباء كان الوضع أفضل من الحالى 100 مرة».

ذلك الطلب الذى يجدون فيه راحتهم، بعيداً عن محافظة الوادى الجديد ومحافظها، والذى يحمّلونه مسئولية الإهمال فى الواحة، ويجدون فى قراراته اضطهاداً لأهلها، وتمييزاً لهم عن باقى الواحات، حسبما يقول «إدريس».

شعورهم أنهم سلة مهملات للمحافظة لم يأت من فراغ، ويتذكر «إدريس» بلحيته الكثة، وكلماته المنمقة، أنهم حينما طالبوا بأسرّة جديدة لمستشفى الفرافرة، ما كان من المحافظة إلا شراء أسرّة جديدة لمستشفى الداخلة، ونقل أسرّته القديم لمستشفاهم وهى مطلخة بالدماء ومتهالكة، ويقول مختتماً حديثه: «نحن نعيش على هامش الدولة رغم أننا أصبحنا ملء السمع والبصر ولا نطالب إلا باهتمام على قدر اسم الفرافرة الذى يتكرر فى الإعلام يومياً كواحد من إنجازات الرئيس عبدالفتاح السيسى».

المصدر 

زر الذهاب إلى الأعلى