أحمد المسلمانى | يكتب : لا تصدِّق إلاّ الجيش

كنت أعمل وقتها فى قناة أبوظبى التى تفوقت كثيراً على قناة الجزيرة فى تلك الأثناء.. وكان هناك العديد من الصداقات الممتدة بين الفريقين فى القناتين الكبيرتين.. كما أن حركة الانتقالات بينهما كانت مستمرة، فالكثير من قيادات ووجوه الجزيرة جاءوا من قناة أبوظبى.

(1)

كانت حرب الغزو الأمريكى للعراق هى الأسوأ فى حروب الشرق الأوسط.. فقد أخرجت العراق من التاريخ، وأطلقت التطرف الشيعى والسُّنى.. وجعلت بلاد الماء والنفط بلاداً جائعةً جريحة.. فلا أُطعموا من جوعٍ ولا أُمِّنوا من خوف.

انتقل العراق من «صدام حسين» إلى «أبو مصعب الزرقاوى» ثم «نورى المالكى» ثم «أبوبكر البغدادى».. ظلمات بعضها فوق بعض.

(2)

كنت أكتبُ فى ذلك الوقت من عام 2003 الإصدار الأول من كتابى «خريف الثورة».. وبذلتُ جهداً كبيراً فى الاستماع والاطلاع. وكان من بين ما سمعتُ من مراسلين ومسؤولين أن واشنطن استخدمت أسلحة الدمار الشامل فى معركة مطار بغداد الثانية.

ثمّة دلائل عديدة على ذلك.. لكن لا شىء حاسم، وقد دخلتْ هذه التقارير التى تتحدث عن ذلك فى دائرة الاحتمال، لكن سلاح الدمار الشامل – المؤكد واليقينى – الذى استخدمته واشنطن فى غزو العراق.. هو سلاح الإعلام.

أصبح الإعلام سلاحَ دمارٍ شامل.. ولا يمكن اعتباره – أبداً – سلاحاً تقليديّاً.. بل هو سلاحٌ غير تقليدى.. شأنه شأن السلاح النووى.. ويزيد.

(3)

كانت قناة الجزيرة وقتها جزءاً أساسياً من ذلك السلاح الأمريكى الأخطر.. ما عرفتُه وقتها وما عرفتُه بعدها.. أن الجزيرة كانت جزءاً من منظومة إسقاط العراق.

ولقد جرى تغطية ذلك الاندماج بين الجزيرة والجيش الأمريكى بمهارة وكفاءة عالية.. حيث كانت الجزيرة تمتدح صدام حسين فى أوقات كثيرة من أجل إرباك المشاهد، وصناعة المصداقيّة.. ثم إن عدداً من تقارير الجزيرة كان «يولول» باستمرار على القتل والدمار.. وكانت «صناعة الولولة» باهرة ومذهلة.

ثم كانت الوثائق الوهمية عن تخطيط الجيش الأمريكى لقصف قناة الجزيرة أثناء الحرب بسبب مواقفها!

(4)

لقد سألت العديد من العاملين فى الجزيرة على مدى سنوات عن الفلسفة السياسية التى تحكمها، وخرجتُ بما أقوله منذ سنوات: أنها وإسرائيل سواء، وأنهما مشروعٌ واحد.

ساهمت قطر فى كل جرائم الإبادة الجماعية فى المنطقة، وكانت الجزيرة أداة القتل الجماعى وسقوط الدول.

(5)

كان منهج الجزيرة ولايزال هو تشويه قدرات الجيوش الوطنية، ثم إهانتها والحديث عنها باعتبارها «قوات موالية للنظام»، وبثّ كل ما من شأنه إظهار الضعف العسكرى والترهل التنظيمى.

تجرى ممارسة ذلك أحياناً.. بإظهار جُبن وخيانة قادة الجيوش، وتجرى ممارسة ذلك فى أحيانٍ أخرى بعدم التعرض لوطنية الجيوش.. وخلق اليأس بعرض صور الدمار.. واستعراض قوة العدو.

يساند ذلك حشدٌ من التقارير التى تتحدث عن تذمر وانشقاقات فى صفوف الجيوش.. أو تعرض صوراً تُلقى الرعب فى قلوب الجنود.. وتخلق شعوراً بحتميّة الهزيمة.

(6)

أقول هذا بمناسبة استشهاد النائب العام، ثم استشهاد سبعة عشر من أبطال الجيش فى سيناء.. حيث عاد سلاح الدمار الشامل.. وعادت منظومة ذلك السلاح الذى تتصدره الجزيرة وشقيقاتها.. لتمارس الدور الذى لا تعرف غيره، ولا تريد.

لا يدرك مستخدمو سلاح الدمار الشامل الإعلامى أن المصريين مختلفون.. وأن ما كان ممكناً مع غيرهم ليس ممكناً معهم، وما كان وارداً مع جيوش أخرى.. ليس وارداً مع جيشهم.

لا يدرك مستخدمو الدمار الإعلامى.. أن الشعب المصرى يثق فى الجيش، ويضع أبطاله فوق درة التاج من الوطن.

ويدرك الشعب المصرى العظيم.. أن اللعبة قد انتهت، وأن «دليل إسقاط الدول» قد سقط.. وأن دولةً صمدت عظيمةً مجيدةً لآلاف السنين لن تسقطها تلك الجراثيم.. مهما كانت ومهما كان مَنْ وراءها.

لم يستمع الشعب إلى طوفان الأكاذيب فى أحداث سيناء.. واستمع إلى الجيش. وباستثناء عددٍ من الجهلاء والعملاء.. وطفيليات الفيسبوك.. فإن الشعب لم يلتفت إلاّ لما قاله الجيش.

يدرك الشعب العظيم أن الهزيمة فى الميدان تبدأ من الهزيمة فى القلب.. وأن اهتزاز السلاح فى يد الجنود يبدأ من اهتزاز الصورة فى الشوارع والمنازل.. وأن سقوط المواقع والمنشآت لصالح العدو تبدأ من سقوط الثقة والمكانة عند الذات.

كانت محنة سيناء شديدة وقاسية.. لكن أفضل ما فيها هو أن الشعب قد داسَ على إعلام الدمار الشامل تحت الأقدام.. وكان شعاره: يسقط الأعداء.. نحن نثق فى الجيش.

حفظ الله الجيش.. حفظ الله مصر.

المصدر