أعمدة

أحمد المسلماني | يكتب : قناة «روسيا اليوم».. الصراع على عقْل العَالم!

المسلماني
قبل أن تقرأ.. الإعلام العالمى فى أقوى حالاته، والإعلام المصرى فى أضعف حالاته. عندهم معركة عالمية من أجل السيطرة على العقول والقلوب.. وعندنا معارك تافهة.. بلا عقل ولا قلب!

(1) تخرجتُ فى كلية الاقتصاد والعلوم السياسية – المرموقة، وكان جيرانُنا فى المبنى كلية الإعلام.. نلتقيهم كل يوم.. كأننا كلية واحدة.. وتخرج جيلُنا ولديه صداقاتٍ واسعة مع زملائنا فى كلية الإعلام.. وكان ذلك فى ذاتِه تعبيراً عن علاقة وثيقة بين الإعلام وبين السياسة.

(2) لقد تميّزت الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا فى حقل الإعلام، حتى أصبح مفهوم الإعلام العالمى مرادفاً للإعلام الغربى.

كان الإعلام الغربى وحده يحكم العالم، وكان كل إعلام العالم -خارج الغرب- هو إعلام محلى أو إقليمى.. وحدهُ إعلام الغرب هو العالمى. وحدهما (CNN) و(BBC) وزميلات لهما يحكمن حركة المعلومات فى العالم.

(3) ثم جاء «بوتين».. وهذه عبارة مهمة فى التحليل، ذلك أن الوضع قبل «بوتين» غير الوضع بعد «بوتين». أكرر.. ثم جاء «بوتين»، وجاءت «روسيا اليوم». وكانت المعجزة.. إنها معجزة حقيقية ومذهلة.. لقد تفوقت «روسيا اليوم» على كل محطات العالم.. وتجاوزت CNN بمسافة، وتجاوزت BBC بمسافات!

(4) كانت قناة «روسيا اليوم» أول قناةٍ فى التاريخ تستقطب مليار مشاهدة على موقع يوتيوب.. ثم أصبح إجمالى مشاهداتها فى كل الصفحات وبكل اللغات أكثر من ثلاثة مليارات مشاهدة!

إنه رقم قياسى.. لم تسجله أية محطة إخبارية فى العالم من قبل، ولنا أن نتخيل أن إجمالى مشاهدات قناة روسيا اليوم قد تجاوز إجمالى مشاهدات محطة CNN بأكثر من الضعفيْن.. كما أنه تجاوز إجمالى مشاهدات محطة BBC بأكثر من عشرة أضعاف!

إنها معجزة إعلامية بكل المقاييس.. ليس فقط منافسة CNN بل تجاوزها بكثير.. وليس منافسة BBC بل إخراجها من المنافسة!

(5) إن من يتأمل الخطاب السياسى الروسى عبْر «روسيا اليوم» يجد رؤية أسطورية.. قوية ومتماسكة، هى رؤية الدولة الروسية التى نجحت القناة العالمية فى نقلها بمهارة فائقة.

تأمل ما تبثّه «روسيا اليوم» عن عبقرية روسيا، وعبقرية السلاح الروسى. تأمل ما تبثّه أيضاً عن أخطاء الولايات المتحدة، وعن الخلافات داخلها.. وعن الانبهار الأمريكى فى الصحف ووسائل الإعلام بالقوة الروسية.

لا تغادر «روسيا اليوم» صغيرة ولا كبيرة فى وسائل الإعلام الأمريكية مما يمكن استثماره لصالح روسيا دون إعادة نشره والترويج له.

(6) أربكت «روسيا اليوم» الإعلام الأمريكى فى سنوات قليلة، ثم تجاوزته بمسافة كبيرة.. واليوم أصبح الوضع معكوساً، حيث تدرس الولايات المتحدة كيفية إدارة حرب المعلومات لمواجهة الإعلام الروسى!

وقد نشرت صحف أمريكية وروسية تفاصيل اجتماع عقده الكونجرس بهذا الشأن.. حيث عقدت لجنة الشئون الخارجية فى مجلس الشيوخ اجتماعاً لبحث القوة المتزايدة لقناة روسيا اليوم.

وكان مما قاله المسئول الإعلامى الأمريكى أمام اللجنة: «إن الأمر يتطلب وقتاً ومالاً لتدعيم وسائل الإعلام الأمريكية حتى نستطيع التصدّى». وهو ما سبق أن طالبت به «هيلارى كلينتون» عام 2011 من ضرورة زيادة الدعم المالى للإعلام الخارجى الأمريكى، لأن واشنطن بدأت تخسر حرب المعلومات العالمية، بينما تكسب قناة روسيا اليوم.

أما مساعد رئيس «المجلس الأطلسى» فقد اشتكى من أن التقارير وأفلام الفيديو التى يبثها على «تويتر» و«يوتيوب» لا تسترعى أى اهتمام، فى حين أن قناة روسيا اليوم تعلن عن مليارات المشاهدات!

(7) إن نجاح «روسيا اليوم» يعطى الأمل فى إمكانية نجاح «الإعلام المصرى» إذا ما مضى على طريق العالمية.. بالمعايير العالمية.

انهزم الإعلام المصرى أمام الإعلام العالمى، ثم انهزم أمام الإعلام المتطرف، ثم انهزم أمام نفسه. كان الإعلام جزءاً من القوة الناعمة.. ثم بات جزءاً من «القوة السائلة».. تلك «الميوعة» التى أصابت أشياءً عديدة فى بلادنا.

(8) أن تأتى متأخراً خيرٌ من ألاّ تأتِى أبداً، وتأسيسُ قناةٍ إخبارية مصرية عالمية وموقع عالمى بعدة لغات.. حتميَّة وطنيّة. وما لم ندخل الصراع على العقل العالمى من أجل مصالحنا ومبادئنا.. سوف يأتى إلينا «المتلاعبون بالعقول»، وسيستمر إعلامُنا السّيئ إضافةً لهم.. لا حرباً عليهم.

قولاً واحداً.. لا مستقبل للقوة الصلبة من دون القوة الناعمة.

حفظ الله الجيش.. حفظ الله مصر

المصدر

زر الذهاب إلى الأعلى