أعمدةمقالات

أحمد ماهر | يكتب : الثورة مستمرة

أحمد ماهر الثورة مستمرة ليست مجرد شعار نردده فى المظاهرات أو فى وسائل الإعلام، بل هو خارطة طريق حقيقية نؤمن بها ونقتنع أنها هى الطريق الصحيح لتحقيق أهداف الثورة.
بعد رحيل مبارك فى 11 فبراير 2011 كان هناك الكثير من القلق لدى شباب الثورة من العسكر، فنحن لا نعرفهم ولا نعرف نواياهم، وللأسف الشديد أدخلونا فى مسار خاطئ ابتداء من استفتاء مارس 2011 الذى أدخلنا فى هذا المسار ورفض العسكر إنشاء مجلس رئاسى مدنى أو الاستجابة لمطالب الثورة، واستطاع الفصيل الأكثر تنظيما «وهو التيار الإسلامى» أن يتحالف مع العسكر ليحصد أكبر قدر من المكاسب السياسية، وبعد العديد من الأحداث فى 2011 استطاع التيار الإسلامى الفوز بأغلبية البرلمان بعد مجهود ضخم من الإسلاميين ومن العسكر لشيطنة وتشويه الثورة وشبابها.
وعندما حدث النزاع بين القوى الإسلامية والمجلس العسكرى فى 2012، وقف الكثير من قوى الثورة لمساندة القوى الإسلامية رفضا لاستمرار حكم العسكر الذى أدخل مصر فى متاهات منذ 2011، وفى يونيو 2012 وقفت بعض القوى الثورية -وعلى رأسها حركة 6 إبريل- لمساندة مرشح جماعة الإخوان المسلمين فى مواجهة مرشح العسكر، فالعسكر هم من قاموا بتشويه الحركات الثورية وهم من أدخلونا فى هذه الإخفاقات بخلاف أن ثورة 25 يناير طالبت بدولة مدنية وليست عسكرية.
وحدثت عدة مقابلات بين قيادات جماعة الإخوان والعديد من رموز الحركات الثورية الشبابية وعدد من المفكرين والكتاب والشخصيات السياسية فى يونيو 2012 ووعد قيادات الإخوان ومن بينهم الرئيس مرسى بالعديد من الوعود التى قطعها على نفسه وأقسم عليها مثل احترام مدنية الدولة وعدم إقصاء باقى التيارات السياسية، وأن يكون نائب الرئيس من خارج جماعة الإخوان وأن يكون رئيس الوزراء من خارج الجماعة وأن تتشكل حكومة ائتلافية، وأن يراعى حقوق المرأة والأقباط ويعمل على تمكين شباب الثورة والاستعانة بهم وبأفكارهم والأهم من ذلك أن يكون الدستور دستورا توافقيا حقيقيا لا يفرض أيديولوجيا معينة عى باقى التيارات السياسية ولا يمنح الحزب الحاكم أدوات للاستبداد والقمع، كما كان يفعل مبارك وحزبه قبل ثورة 25 يناير.
ولكن
مرت الأسابيع والشهور الأولى من حكم مرسى فلم يحقق أى وعد من الوعود والشروط التى قطعها على نفسه وأقسم عليها قبل انتخابه، ووجدنا أن مرسى وجماعته يستخدمون نفس أساليب حزب مبارك الذى قامت ضده ثورة، فحافظوا على الفساد واستخدموا نفس أساليب القمع، وانقلبوا على كل الوعود وأصدروا دستورا سيئا يخالف كل ما تم الاتفاق عليه بعد الثورة، وقد كنت عضوا فى الجمعية التأسيسية التى وضعت هذا الدستور وانسحبت منها بسبب تغيير المسودة المتفق عليها فى اللحظات الأخيرة واستبدالها بمسودة أخرى تم الاستفتاء عليها كان بها العديد من المواد الخطيرة التى تعطى رئيس الجمهورية نفس الصلاحيات الواسعة وتعيد بناء دولة استبدادية بشكل آخر.
بجانب بدء السيطرة على كل مفاصل الدولة وزرع أعضاء جماعة الإخوان فى كل مكان بغض النظر عن كفاءتهم بل إن الكثير من اختيارات الرئيس وجماعته كانت فى منتهى السوء وتم تعيين العديد من الفاشلين فى أماكن عديدة بالدولة، بجانب فشلهم فى حل مشكلات مصر وارتفاع معدل البطالة وارتفاع الأسعار وعدم القضاء على الفساد.
وقد تقابلت شخصيا مع الرئيس مرسى عدة مرات منذ يونيو 2012 حتى ديسمبر 2012 ونصحته شخصيا عدة مرات وقدمت له العديد من الأفكار التى تجاهها تماما، وكذلك فعل العديد من الشخصيات السياسية ورؤساء الأحزاب وحاولوا كثيرا أن يقربوا وجهات النظر ويساعدوا فى حل مشكلات مصر، ولكن لم نجد من الرئيس وجماعته إلا مزيدا من التجاهل والعناد والاستهتار.
حتى بعد بدء أزمة الدستور وبدء الانقسام فى المجتمع فى نهاية 2012 وبداية 2013 حاولت مع الكثير من الشخصيات السياسية ورؤساء الأحزاب أن ننصح حزب الحرية والعدالة «حزب جماعة الإخوان» أن بإمكانهم وقف الانقسام وبإمكانهم إحداث التوافق وإجراء انتخابات عادلة ونزيهة وأن يقوموا بتعديل الدستور وتغيير النائب العام وأن نبدأ مرحلة جديدة من التعاون من أجل بناء مصر ومن أجل الاستقرار، ولكنهم رفضوا واستمروا فى الغرور والعناد، وحذرناهم كثيرا من هذا العناد.
ولمسنا بأنفسنا تزايد الرفض الشعبى لحكم الإخوان، فالشعب المصرى استيقظ منذ 25 يناير 2011 وثار على الديكتاتور مبارك، ولم يسمح الشعب المصرى بإعادة إنتاج الديكتاتورية بشكل جديد حتى لو تخفت خلف شعارات دينية.
بجانب أن الشباب المصرى لن يتوقف عن المطالبة بأهداف ومطالب الثورة، فهو جيل لن يهدأ حتى تتحقق الحرية والعدالة والكرامة والحكم الرشيد مهما كلفه الأمر.
وظهرت فكرة تمرد وجمع التوقيعات لسحب الثقة من الرئيس مرسى، حيث إن الرفض الشعبى يتزايد وانضمت النسبة الأكبر من مؤيديه إلى معارضته بعد انقلابه على وعوده، وبدأت كل الأحزاب والحركات الشبابية فى جمع التوقيعات للمطالبة بانتخابات رئاسية مبكرة، ولمسنا تلهف الشعب فى كل المحافظات على هذه التوقيعات ورغبة الملايين فى رحيل مرسى الذى كذب واستبد وفشل فى حل أى مشكلات.
وشاركت الحركات الشبابية ومن ضمها حركة 6 إبريل فى الحشد للنزول يوم 30 يونيو، فجماعة الإخوان تشكك فى أرقام التوقيعات ولابد من إثبات عملى أن الشعب يرفضهم وأن أغلبية المصريين يطالبون بانتخابات رئاسية مبكرة ويرفضون استمرار ذلك الرئيس وأن أغلبية المصريين يرون أن استمرار حكم مرسى وجماعته هو خطر على مصر وإعادة إنتاج للاستبداد رغم الصبغة الدينية.
وحتى فى هذه الأثناء نصحنا جماعة الإخوان بالتوقف عن العناد، فالرفض الشعبى لهم يزداد كل يوم وعليهم أن يتوقفوا عن الغرور والعناد إن أرادوا تسوية.
ولكنهم رفضوا واستمروا فى تجميع السلاح وفى التشبث بالسلطة ورفض الاعتراف بأن الشعب لم يعد يرغب فى استمرار حكمهم بعد الآن.
ونزل المصريون بعشرات الملايين فى الشوارع يطالبون مرسى بالرحيل، ولم يفكر الإخوان بذكاء أيضا هذه المرة واستخدموا العنف لقمع المتظاهرين، مما دفع الجيش للنزول لحماية الشعب من العنف ولحماية الإرادة الشعبية.
وفازت الإرداة الشعبية مرة أخرى، وأثبت المصريون مرة أخرى أنهم شعب لن يقبل الاستبداد ولن يقبل بأقل من الحرية والعدالة والكرامة، وانتصرت موجة 30 يونيو التى تعتبر موجة ثورية ثالثة لموجات ثورة 25 يناير.
فالموجة الأولى كانت فى 25 يناير 2011، والثانية كانت فى نهايات 2011 وبدايات 2012 ضد حكم العسكر، وها هى الموجة الثاثة ضد غباء وغرور واستبداد وفشل الرئيس مرسى وجماعته.
وماذا بعد؟
بالتأكيد لا تزال هناك تخوفات من ظهور العسكر مرة أخرى فى المشهد السياسى، وهذا يتطلب أن يكون شباب الثورة على يقظة دائمة لمنع تكرار تجربة الفترة الانتقالية المريرة، بجانب التخوف من محاولات نظام مبارك للظهور مرة أخرى، ولكن كما وثقنا فى أنفسنا وقمنا بثورة 25 يناير، واستطعنا بالإصرار والأمل أن نزيح حكم العسكر فى 2012، واستطعنا إزاحة الرئيس الفاشل وجماعته المغرورة فى 2013.. نثق أن الشباب المصرى سيمنع تكرار الأخطاء وسيمنع إنتاج أى استبداد جديد وسيسعى بكل قوته لبناء مصر على نظام جديد ينتصر لأهداف ثورة 25 يناير.
هناك تخوف أيضا من استمرار الانقسام ومن محاولات البعض لإقصاء الآخر، ولكن سيسعى الشباب لإعادة بناء الجسور وإعادة الحوار وسيرفض الجميع الإقصاء وسيتم إدخال التيار الإسلامى مرة أخرى فى العملية السياسية بعد إقرار الدستور الذى يسمح للجميع بالممارسة السياسية بدون تمييز أو إقصاء أحد بمن فيهم الإسلاميون.
وهذا يتطلب من الشباب أن ينظموا أنفسهم أكثر وأكثر ويستكملوا بناء قواعدهم وتقوية تنظيماتهم والاستعداد للممارسة السياسية السليمة والعادلة بعد تعديل الدستور وبعد انتهاء الفترة الانتقالية.
ولذلك فشعار الثورة مستمرة ليس مجرد شعار إعلامى، بل هو طريقة ناجحة للحفاظ على المكتسبات إلى أن يتم إقرار القواعد العادلة للممارسة السياسية وينخرط الشباب فى الأحزاب والتنظيمات التى تستطيع المنافسة السياسية والبناء، ولذلك فإن الموجة الثورية فى 30 يونيو 2013 هى موجة ثورية لتصحيح المسار ولتحقيق أهداف ثورة 25 يناير 2011.

بقلم | أحمد ماهر

Eman Salem

كاتب صحفي ورئيس تحرير موقع الشرقية توداي
زر الذهاب إلى الأعلى