مقالات

أسماء الهادي| تكتب: الصحافة الإلكترونية.. أي مستقبل ينتظرها؟

الهادي

دأب الانسان منذ القدم على تطوير أساليب اتصاله مع الآخرين، ولقد مرت هذه الأساليب بعدة مراحل، لتبدأ بالمشافهة ثم الكتابة ثم الطباعة ثم الموجات الكهرومغناطيسية والإلكترونية، والتي شهدت اكتشاف التليفون والتلغراف والفوتوغراف والراديو والتلفزيون، وهي وسائل حولت العالم إلى «قرية صغيرة» بفضل تكنولوجيا المعلومات، فأصبحت عملية التواصل ونشر المعلومات بسرعة فائقة لتشمل كل بقاع العالم، مما أثر بشكل كبير على حياة البشر وأصبح الآن يعتمد اعتماداً كلياً على تكنولوجيا المعلومات لتكون البطولة الرئيسية فيها للـ «حاسبات الإلكترونية» .

ما يثير الانتباه، بروز مصطلح «الصحافة الإلكترونية» ظاهرة فرضت نفسها على واقع الساحة الإعلامية والصحف التقليدية لتصبح نداً لا يستهان به، هذه الصحافة التي فرضت وجودها في الواقع الإفتراضي بدورها في رصد الأحداث وصناعة الخبر وانطلقت لتنشئ مشهدًا إعلاميًا جديدًا، بما وفرته من سبل سهلة للحصول على الخبر ومتابعة الحدث أولاً بأول، واختصرت مسافات كثيرة على المتابعين للأحداث، لتفتح أبوابًا مغلقة وتصبح أقرب وأسهل للمواطن، مما كان له دور كبير في صنع وتشكيل الرأي العام، الذي أصبح أكثر وعيًا عما كان عليه في الصحافة التقليدية، فلم يعد الرقيب هنا حكوميًا، بل أصبح الرقيب هو الضمير المهني، والموضوعية الإعلامية.

بين الصحيفة الإلكترونية والموقع الإلكتروني.. فروقات لا يمكن تجاهلها:

ارتبط مصطلح «الصحافة الإلكترونية» في الوطن العربي بظهور أول موقع لصحيفة عربية هي «الشرق الأوسط » على الإنترنت وذلك في سبتمبر من عام 1995، لتليها صحيفة «النهار اللبنانية» في فبراير من عام 1996، ثم صحيفة «الحياة اللندنية» في يونيو 1996.

ولعل من أبرز الفروق بين «الصحيفة الإلكترونية» و«الموقع الإخباري الإلكتروني» هو طبيعة النشأة، فأصل الصحيفة الإلكترونية أنها نشأت ابتداء على الورق بالصورة التقليدية كأي صحيفة عادية، ثم أنشأوا لها موقعًا على الإنترنت، وبالتالي فالصحيفة الإلكترونية هنا هي نسخة طبق الأصل من الصحيفة التي تصدر بطبعاتها المختلفة ورقيًا وتوزع بصورة اعتيادية، أما عن الموقع الإخباري الإلكتروني فقد نشأ ابتداء على الإنترنت، وليس له أصل ورقي، وإنما بيئته الأساسية هي تلك البيئة الإفتراضية اللامتناهية المسماة بفضاء الإنترنت.

الواقع الآن، أن الصحف الإلكترونية شهدت انطلاقًا لتشكل به ظاهرة إعلامية جديدة، ترتبط بثورة تكنولوجيا المعلومات، فأصبح المشهد الإعلامي أقرب للجميع وأكثر انتشارًا فى الوصول لأكبر عدد من القراء، التحقت غالبية الصحف والهيئات الإذاعية بها ليكون أثر ذلك واقتناعًا بأهميتها، شديد الخطورة والتأثير عليها من ناحية تشكيل الرأي العام، فلم يعد الرقيب حكوميًا كما كان بل أصبح الرقيب هو أخلاقيات العمل الصحفي.

إذن ما الصحافة الإلكترونية؟ 

لعل عام 1988 يعتبر علامة ملحوظة للصحافة الإلكترونية في الولايات المتحدة الأمريكية، لأنه سجل زيادة ملحوظة في الإنتاج الصحفي الذي يكتب خصيصًا للمواقع الإلكترونية للصحف والمجلات، لتأتي بمفهومها: نوع من الصحافة يتم قراءتها عبر أجهزة الكمبيوتر، بمختلف أشكالها وأحجامها ، ويستخدم الإنترنت كوسيلة لإصدرها بطريقة النشر الإلكتروني الدوري المنتظم فى الإصدار والتحديث المستمر، حيث يكون للصحيفة موقع إلكتروني معروف على شبكة الإنترنت، ويعتمد إصدرها على طرق إلكترونية في التحرير والتصحيح وإخراج المواد الصحفية وتصميم الصور والرسوم، وتوظيف ميزات تفاعلية للمتصفح، يتيح له التفاعل والتواصل مع النص واستدعائه عند احتياجه وحفظه وطباعته، وتوظيف الوسائط المتعددة من صور وصوت وصورة وفيديو ومقابلات صحفية مصورة ومشاهد ومناسبات وتوافر خواص أرشيفية تحفظ الموضوعات والصور ويتم استرجاعها بطرق يسيرة.

وعلى الرغم من سرعة التكنولوجيا الحديثة، إلا أن الصحافة الإلكترونية فى مصر والعالم العربى قد تتعرض لخطر قد يؤثر على قدرات العديد من الصحف والمواقع الإلكترونية، مالانفهمه أيضًا هو وقوف العديد من الصحفيين أمام نظرية بأن الصحافة المطبوعة وحدها هى التى تتعرض للمخاطر، وأن البديل هو الصحافة الإلكترونية، التي استطاعت أن تعبر بالمعلومة القارات والمحيطات والحدود ليتحول العالم إلى «قرية صغيرة»، وأنا شخصيًا أرى أن الصحافة الإلكترونية بمفهومها تعتبر من المخاطر التي قد تتعرض لتهديدات أكبر مما تتعرض لها الصحف الورقية، عندما لا نعرف كيف نتعامل مع شبكات التواصل الاجتماعي، وكيف ندير المحتوى عبر «فيس بوك» و«تويتر» و«جوجل»، و«انستجرام» وغيرها من الشبكات العملاقة المسيطرة على العالم، التي لا تعترف سوى ببقائها وحدها على العرش دون منازع.

ليصبح المشهد الإعلامي أكثر انفتاحاً، ويصبح بمقدور الإعلامي إيصال صوته لجمهور غير محدود من القراء في شتى بقاع الأرض، بكونها وسيلة إعلامية واعدة ومؤثرة، تشكل واقعًا إعلاميًا جديدًا يتمثل في التركيز والإختصار، والإعتماد على السمع والصورة والفيديو، لابد أن نفهم أن المواقع الإلكترونية ليست سباقًا لتفرح بعدد محدود من القراء الذين يدخلون مباشرة ليتفاعلون مع موقع الصحيفة، ما النتيجة إذا انصراف هذا العدد من هؤلاء القراء عن الموقع نفسه، وماذا عن قاري عند سؤاله اين قرأت هذه المعلومة تكون إجابته «طبعًا على فيس بوك»، ليختفي المصدر الأساسي للخبر وهو «الجريدة نفسها»، ويصبح الفيس بوك هو المرجع الوحيد لهؤلا القراء، وحدهما «فيس بوك» أو «جوجل»  من محركات البحث التي تربح بلا تعب أو جهد.

بهذا أصبحت الصحف الإلكترونية لم تعد تعمل لنفسها.. بل تعمل لخدمة أرباح جوجل وفيس بوك، إذًا كيف يمكن للصحافة الإلكترونية أن تستمر؟

والنتيجة؟

وبعد، هل يمكن القول أن المواطن الذي امتلك حرية القول والكتابة في عصر الإعلام الرقمي، سيسيطر على المؤسسة الإعلامية الإفتراضية، ويؤسس له صحافة جديدة، مثلما فعلها في ربيع الثورات العربية، فأسس له جمهورية جديدة اسمها «جمهورية الفيسبوك»، هل نحن في مواجهة قوية، وعصر جديد يحتل المواطن العربي فيه ميادين الإعلام العربي ومؤسساته بالفعل، مثلما فعلها في ميادين التحرير؟، وهل ينتهي عصر الإعلام التقليدي، ويحل البديل الرقمي، والصحفي الالكتروني الذي يجيد التعامل مع تقنيات العصر؟.

ويمكن القول بأن هناك علامات دالة على مستقبل كامن لما يسمى بـ «صحافة الإنترنت»، وهذا بناء على ما يتجلى من خلال البوابات الإخبارية والصحف الإلكترونية والمدونات الإعلامية باللغة العربية، إذًا أين نحن فى مصر من ذلك؟

ما يدور فى العالم من جدال ونقاش حول مستقبل الصحافة الورقية المطبوعة أمام الصحافة الإلكترونية، يمكن القول بأن العديد من الصحفيين يرون أن البديل هو الصحافة الإلكترونية التى تحتل الصدارة فى المتابعة بين مستخدمي السوشيال ميديا، لكن يؤسفنى أن أضيف لكم أن الصحافة المطبوعة ليست وحدها هى التى تتعرض لتلك المخاطر، يؤسفني أن أقول بأن الصحافة الإلكترونية تلقى مخاطر أيضًا أمام طغيان شركات السوشيال ميديا «فيس بوك» و«تويتر» وغيرها من الشبكات العملاقة، ثم أمام جبروت «جوجل» وسيطرته على قطاعات واسعة من سوق الإعلانات فى العالم.

زر الذهاب إلى الأعلى