أعمدة

إبراهيم عيسى | يكتب : عن الأحزاب التى لا تتحزَّب

ابراهيم عيسي

فى مصر ٨٤ حزبًا..

هل تشعر بها؟

ما أقرب حزب إلى بيتك؟ لا أقول إلى قلبك ولكن إلى بيتك حيث مقره أو نشاطه أو مؤتمر عقده أو طَرَق بابك ليدعوك إلى اجتماع أو يسألك رأيك!

لا أحزاب حقيقية جماهيرية، ولا وجود واسع، ولا جمهور منتشر..

تتحدث الأحزاب عن نفسها بمنتهى البارانويا كأنها أحزاب بجدّ أو أحزاب جادة، وتنشغل جدا بالظهور فى أخبار الصحف والنت فى إلحاح ممضّ ومريض على تغيير قانون التظاهر وفى مديح خائب لطريقة الانتخاب بالقائمة.

.. حسنًا.

أين أنتم؟

فى قاعات مغلقة ومؤتمرات نخبوية وجلسات تليفزيونية أكثر من وجودكم فى الشارع وبين الناس وفى قلب الواقع اليومى.

تشكو الأحزاب من أنها ما زالت حديثة التكوين..

كويس جدًّا.. إذن تكلَّموا على قد عمركم.

تحكى الأحزاب عن نقص أموالها..

هايل فعلا.. وما الذى يدفع مفلسين إلى تكوين حزب؟ ومتى كانت الأحزاب تنجح وتنتشر وتحظى بالجماهير وبالحكم وهى إيد ورا وإيد قدام وبتسأل ربنا حق العَشاء؟

أىُّ مجموعة قررت إنشاء حزب دون توفير تمويل حقيقى ومناسب تبقى مهرجة وتخدع الناس، فلا حركة ولا دعوة ولا نجاح بلا أموال. وجمع مئات وعشرات الجنيهات من الأعضاء أمر يليق بنشاط طلابى لا سياسى وحزبى.

تتذمر الأحزاب من هجوم الإعلام عليها وتحسبه انتقاصا من قدرها… طيب وماذا عن هجوم أعضاء الأحزاب نفسها بعضهم على بعض، والانشقاقات اليومية فى كل حزب، والاتهامات المتبادَلة بتكوين الشلل وتوزيع المناصب بالمحاباة والمصالح وتجاهل اسم النبى حارسهم أعضاء وقيادات الحزب؟! تقول الأحزاب إنه يجب أن تدعمها مواد الدستور حتى تقوّيها، ولا أعرف هل المفروض أن تقوِّى الأحزاب البلد أم أن البلد هو الذى يُفترض أن يقوِّى أحزابا ضعيفة؟!

تزعم الأحزاب أن لديها برامج تغيّر شكل مصر. وهذا جائز جدا على اعتبار أن تغيير شكل مصر قد يجمّلها أو يشوهها، لكن السؤال: ولماذا لا تظهر هذه البرامج فى أفعال وأفكار وأشغال وتحركات ووجود من هذه الأحزاب فى الحياة اليومية؟

تخبرنا أحزاب أنها تندمج مع أخرى، وهذا ممتاز فعلا، لكن لماذا لم نرَ الشارع وقد اهتز طربا أو تجلجل فرحا لمثل هذه الاندماجات التى يعود قيادات الأحزاب إلى نفيها بعد نشرها بدقائق أو لإعلان فشلها بعد ساعات؟ ولماذا نسمع منذ شهور طويلة عن مفاوضاتهم التى لا تريد أن تنتهى؟

قد تصبح هذه الأحزاب أعظم أحزاب فى الدنيا بعد فترة. وقد تتحول بإرادة أعضائها إلى أهم أحزاب فى الوجود الإنسانى.

ممكن جدًّا لكن ليس الآن.

ليس الآن إطلاقا وليس غدًا ولا بعد غد لو صمم الحزبيون على هرائهم المخلص.

بالمناسبة هذا كلام كرَّرتُه وكتبتُه وأكدتُه ونشرتُه وأذعتُه، ولا بأس من أن تُسمِعَ الصُّمَّ الدعاءَ.

إذن.. لماذا لا تتصرف الأحزاب هذه الفترة بناء على أحجامها الحقيقية وأوزانها الواقعية؟

سينجح بعض هذه الأحزاب فى الانتخابات القادمة لو تكلم كل حزب على قدّه فعلا قبل أن يأمر الشعب أن يسمع كلامه.

وسيتقدم البلد لو تذكر كل حزب عدد أعضائه وحجم تأثيره قبل أن يطالب الدولة بأن ترضخ له وتوافق على آرائه.

المصدر

زر الذهاب إلى الأعلى