مقالات

الدكتور إبراهيم نوارة | يكتب: مشروع قومي لتنمية المياه

إبراهيم نوارة
بدأت أزمة المياه تدق ناقوس الخطر وتلقي بظلالها الثقيلة على المصريين الأثر الأول يتمثل في تخفيض مساحات محصول غذائي رئيسي هو الأرز.

النتيجة: تحولت مصر من مُصَدِّر تقليدي للأرز إلى مستورد. لكن تخفيض زراعات الأرز ستكون له نتائج واسعة النطاق، إقتصاديا واجتماعيا وبيئيا. الخطورة البيئية الشديدة تتمثل في اندفاع مياه البحر إلى الخزان الجوفي في شمال الدلتا واغراقه بالمياه المالحة، مما سيرفع نسبة ملوحة التربة ويضر بكافة الزراعات. ويحب أن نعلم ان مناطق شمال الدلتا كان معظمها عبارة عن مستنقعات وبراري غير صالحة للزراعة منذ نحو 200 عام.

المدهش أن الدولة لم تتخذ إجراءً واحدا للحد من زراعة واحد من أكثر المحاصيل شراهة للمياه تتحكم في زراعته وتجارته مافيا محدودة من التجار، ألا وهو محصول الموز. زراعة الموز تستهلك تقريبا ثلاثة أمثال استهلاك المياه في المحاصيل الأخرى. إذا كانت الدولة جادة في العمل على الحد من استهلاك المياه في الزراعة فكان يجب ان تبدأ بوقف زراعة الموز أولا وليس بتخفيض زراعات الأرز، والموز المحصول الذي يتغول على غيره في مناطق غرب النيل بسبب عائده المالي المرتفع.

والأغرب والأعجب ان الدولة التي ترى أعراض أزمة المياه زاحفة بقوة لم تبتكر أية استراتيجية لزيادة موارد المياه. فسياسة الحكومة تحجل على قدم واحدة هي الحد من استهلاك المياه، وتنسى ان هناك قدما أخرى يجب أن تعتمد عليها أيضا هي زيادة موارد المياه.

وخلال السنوات الاخيرة لم تشهد موارد المياه في مصر تنمية حقيقية، فحصة مصر من مياه النيل تعادل تقريبا 73% من موارد المياه المتاحة وبجانبها تدوير مياه الصرف الزراعي (16%)، والمياه الجوفية (9%)، وتدوير مياه الصرف الصحي، ومياه الأمطار والسيول بنسبة 1% لكل منهما. اما تحلية مياه البحر فلا تزيد عن 100 مليون متر مكعب سنويا حسب الاحصاءات الرسمية. وتبلغ موارد المياه الكلية حسب احصاءات الحكومة (2016) 76.3 مليار متر مكعب.

هذه الخريطة لتوزيع موارد المياه يجب أن تتغير، بصرف النظر عن مشكلة سد النهضة واحتمالات انخفاض نصيب مصر من مياه النيل بسبب تخزين المياه في إثيوبيا، وكذلك بتأثير سلسلة السدود التي تخطط السودان لإقامتها. مصر تعاني من أزمة مياه حقيقية قبل مشروع سد النهضة بكثير، وحصة الفرد من المياه في مصر تقل عن خط الفقر المائي بنسبة تتراوح بين 35% الى40%. وهذا في حد ذاته من المفترض أن يكون مبررا كافيا لكي تضع الحكومة المصرية إستراتيجية طويلة المدى لمكافحة التصحر وفقر المياه.

للأسف لم يحدث شيئ من ذلك. الآن يتم تخفيض زراعة الأرز، ومن المرجح ان الإنتاج الزراعي بشكل عام سيتأثر سلبا بسبب زيادة نسبة الفقر المائي. إنتاجية قطرة المياه في مصر منخفضة بشكل عام، هذا يحتاج إلى مراجعة، لكن الأهم أن تكون لدينا استراتيجية متكاملة لتنمية موارد المياه. أشير أيضا هنا إلى صادرات الموالح المصرية التي تنافس غيرها سعريا، حتى أصبحت مصر ثاني أكبر مصدر للبرتقال في العالم بعد إسبانيا. أقول هنا إن تصدير الموالح هو بمثابة تصدير للمياه، وإن زراعة الموز هي بمثابة إهلاك للمياه وللتربة على السواء.

مصر يجب أن تكون لديها استراتيجية مياه بجناحين: الأول: زيادة إنتاجية قطرة المياه، والثاني: زيادة موارد المياه المتاحة خصوصا عن طريق محطات التحلية وتنظيم استخدام المياه الجوفية غرب النيل.

سيناء بها مشكلة مؤلمة جدا، فهي الى جانب ما تعانيه من ظروف أمنية قاسية تواجه الآن ارتفاعا غير مسبوق في نسبة ملوحة الآبار الجوفية المستخدمة لاغراض الزراعة والشرب على السواء. لا بديل في سيناء غير إقامة محطات عملاقة لتحلية المياه.

أزمة المياه أزمة قومية حقيقية سيزيد سد النهضة من حدتها، لكنها موجودة قبل المشروع الأثيوبي، والحكومة تدير لها ظهرها، فلاهي افلحت في مفاوضات السد، ولا هي وفرت مصادرا جديدة للمياه.

الآن وبكل قوة مصر تحتاج إلى مشروع قومي جاد لتنمية المياه، ومن الجرم تأجيل ذلك، فمنذ الإنتهاء من بناء السد العالي وقفت مصر محللك سر تقريبا في مجالات تنمية المياه، بينما يزيد السكان وتزيد احتياجاتهم بمعدل 4% على الأقل سنويا، (2% لمواجهة الزيادة الطبيعية و2% على الاقل لتحسين مستوى الحياة من سنة الى سنة).

 

المقال هو من رأي الكاتب ولا يعبر بالضرورة عن رأي الشرقية توداي

أحمد الدويري

كاتب صحفي منذ عام 2011 ، أكتب جميع أنواع قوالب الصحافة، تعلمت الكتابة بشكل جيد جدًا من خلال موقع الشرقية توداي الذي انضممت له منذ عام 2012 وحتى الآن
زر الذهاب إلى الأعلى