تقارير و تحقيقاتسلايد

حاملات الفؤوس.. قصص كفاح فتيات يعشن في ريف الشرقية

الفؤوس.. الحياة في الريف لذة وتعب في آنٍ واحد 4

كتبت | أسماء الهادي

«الحياة في الريف.. لذة وتعب في آنٍ واحد» طريق ترابي ضيق، علي جانبي حقول ومساحات كبيرة خضراء، حقل يرتمي في حضن السماء، ريف يمتد على حدود قرى ومحافظات لينعم بهواء لم تلوثه عوادم المدينة.

«ست بميت راجل».. تلك هى الجملة التى تتبادر فى ذهنك بمجرد أن ترى سيدات يضربن نموذجًا متميزًا فى الكفاح وحب العمل، سعيدة رغم قساوة المعيشة التي «كسرت ظهرها»، فى الوقت الذى يجلس فيه الكثير من الرجال والشباب فى المنازل بدون عمل، وبدون أى أسباب تجبرهم أو تضطرهم لذلك، نجد الكثير من السيدات يتغلبون علي كل الصعاب ليعملن ويعولن أسرهم،  أناس يعيشون بسعاده وحب يجتمعون لأقل مناسبه فرحتهم واحده وحزنهم واحد الحياه البسيطه تجعلهم يتمسكون ببعض أكثر ويفتقدون من يغيب عنهم ولو نصف يوم.

قصص كفاح فتيات يعشن في ريف الشرقية:

 يمكننا تسليط الضوء على حكايات بعض الفتيات التي يعملن في الحقول، وقصص كفاحهم، ففي قرية حسني التابعة لمدينة ههيا، توجد نماذج حية لكفاح الفتيات، فعلى رغم أن كلًا منهن تسكن في منطقة مختلفة عن الأخرى، إلا أنهن يتجمعن سويًا لكي يذهبن إلى مكان عملهن بالحقول، ثم يعدن إلى منازلهم وعلى وجوههم ابتسامة نضرة.

الفلاحة المصرية أيقونة التحمل:

«محلاها عيشت الفلاحة» أغنيات وروايات ولوحات، جسدت ملحمة إنسانية خالدة تتناغم فيها مقومات الطبيعة وروعتها لـ «الفلاحة المصرية»، وعنصرها البشرى الذي أنتجته البيئة، أنه الريف المصري بملامحه الخاصة، حيث احتلت المرأة نصيب الأسد من هذا البورترية الربانى البديع، فكانت ذاكرة الموروث الاجتماعي، والتراث الشعبى، التي وقفت أمامه السنون والأعوام صامتة تتأمل عبقرية المرأة الريفية.

الفؤوس.. الحياة في الريف لذة وتعب في آنٍ واحد 5

هنا في قرية «حسني» إحدى قرى محافظة الشرقية التابعة لمدينة ههيا، حيث ولدت «هناء»، التي قضت أحلى أيام الطفولة والصبى بين الريف التي تملئ أرجائه بهجة وطمأنينة بلونه الأخضر البديع، لتروي: اسمي «هناء» أتجوزت وأنا عندي 13 سنة، فلاحة شابه في وجهها حسن يختفي تحت قناع من التعب والتراب وآثار الشمس الحارقة، لتتحدث: «أنا اللي بزرع الأرض وجوزي بيشتغل كل يوم بالأجرة عشان يجيب قرش للبيت، كان لازم اشتغل فى أرضي وأزرع كل الخضار والحبوب، لأن مفيش فلوس أشتري من السوق».

في الوقت التي تعتبر فيه الزوجة الجزء الأكبر من المسؤلية، تصحو «هناء» قبل الفجر لتوقظ الجميع، وليبدأ يومها الشاق وراء حياة الكفاف، فبجانب عملها في «الغيط»، يكون مطلوب منها الأعمال المنزلية فتقوم بإعداد الفطور، وتحلب اللبن وتقضي حتي فترة الظهيرة في الحقل، ثم تعود لتجهيز الغداء لتحمله لزوجها بعد يوم طويل من العمل فى الحقل.

لم تعد المرأة نصف المجتمع بل هي المجتمع بأكمله:

الفؤوس.. الحياة في الريف لذة وتعب في آنٍ واحد 3

«الحمد لله على كل حال» بعد تنهيدة طويلة وهي تحبس دموعها تروي «سماح محمدي» قصتها قائلة: «أتجوزت وأنا عندي 17 سنة، جوزي كان بيشتغل فى فرن وكنا عيشين كويسين، خلفت منه ولدين وبنت وعشت معاه أجمل 6 سنين فى حياتي»، لتنتهي هذه السنين بوجع فراقه بعد إصابته بـ «السرطان» والذي اكتشفناه فجأه، لتسكت برهة: « كنت هتحمل أشيله فوق راسي عمري كله بس ميفارقناش ولكن القدر اختارني أكون أرملة وأم لـ ثلاثة أيتام».

لم نعد نعيش في هناء وسعادة كما كنا من قبل، بل أصبحت حياتنا يصحبها الشقاء وراء حياة الكفاف، لنذوق حياة الحرمان، برغم ذلك ترتسم على وجهها ابتسامة لا تفارقها رغم الظروف السيئة التي تمر بها، إلا أنها راضية بقضاء الله وتدابيره، لافته قررت أن أسعى بكل ما أوتيت من قوة بحثًا عن حياة مستورة ولقمة عيش تعينها وأبناءها على مصاعب الحياة.

الفؤوس.. الحياة في الريف لذة وتعب في آنٍ واحد 6

وأضافت «سماح» لم أستطع أن أدخل المدرسة وأتعلم كغيري من الفتيات، ولكن أسعى وأعمل جاهدة لكي أعلم أولادي حتى لايعانون مثلي.

تصحو مع بداية كل صباح لتحلب بقرتها التي تعتبر مصدر الرزق الوحيد لها والذي لا تملك غيره، حتى يتسنى لها تغطية مصاريف أبنائها بعد وفاة زوجها، بعدماتلطمت بها دروب الحياة الصعبة وتراكمت عليها الأعباء المادية ولكن سرعان ما تداركت الموقف واستعادت عافيتها مرة أخرى وقررت أن تعمل لتغطي مصاريف أبنائها.

 

وأثناء حديثي معها، شاهدت على الجانب الأخر من الحقل، امرأة تعمل بأرضها مع إحدى بناتها، سألت عن هذه المرأة: فنظرت إليها وقالت.. دي «فوزية»، ربة منزل تعمل بالحقل بعد سفر زوجها للخارج وتساعدها فى ذلك إحدى بناتها «نورة»، لافتة إلى أنها تستيقظ الفجر لكي تحلب الجاموس وتبيع اللبن والزبدة، ثم تأتي إلى الحقل حاملة مشنتها لتحصد محصولها الذى شقيت فى زراعته، وبيعه للإنفاق على أبناءها وتوفير مصاريف بيتها.

الفؤوس.. الحياة في الريف لذة وتعب في آنٍ واحد 2

لم اندهش من قصة «فوزية» فطبقًا لدراسة، فإن نوعية النساء اللاتى يعملن فى منازلهن من دون كلل ولا ملل، والأهم من دون أجر، ومن دون انتظار مكافأة، حوالي ٨٤٪ من عمالة النساء من دون أجر فى الأنشطة الزراعية وتربية الطيور والمواشى والأغنام وجمع المحصول وعمل الزبدة والجبنة والسمنة، و٨٦٪ منهن متزوجات، وتتراوح أعمارهن بين ٢٠ إلى ٤٩ عامًا.

والجدير بالذكر أن واقع المرأة الريفية فى مصر يشير إلى أنها تمثل ٤٩% من نسبة  تعدد السكان في الريف، ونصف الفقراء فى المناطق الريفية هى المرأة، و ٤٢,٨ % من النساء فى مصر يعملن فى المجال الزراعى، و17.8% هى نسبة بطالة المرأة الريفية، ومتوسط ملكية الأراضى الزراعية للإناث لا تتعدى ٣ %، ونسبة الإمية بين الريفيات ٨٦ %، و٨١,٦ % نسبة النساء المعيلات الريفيات، فهم يرون أن الوقود الحقيقي ليس فقط برعايتهن للأسر والأبناء ولكن بالقيام ببعض أعمال الفلاحة مساعدة للزوج أو الأب أو العمل المنفرد في الحقول لزيادة دخل أسر قد تكون المرأة هي عائلها الوحيد.

الفؤوس.. الحياة في الريف لذة وتعب في آنٍ واحد 1

أما عن «رحاب سليمان»، ربة منزل ولديها أربعة أبناء، تذهب كل يوم لتعمل مع زوجها وإحدى أبنائها فى أرضهم، لتروي قصتها قائلة: بعد أن أقضي وقتي في الأعمال المنزلية ومن ثم أذهب إلى الأرض لأساعد زوجي فى جمع المحصول وتنضيف الأرض، لأن عملية التنضيف تتطلب يد أخرى وبأجرة والحال لايسمح لجلب عامل يعمل مع زوجي فى الأرض، فأقوم أنا وأحد أبنائي الأكبر بالعمل معه لتوفير المال.

وأضافت: «معندناش ست بتقعد فى البيت حتى لو زوجها متغرب هي اللي تراعي الأرض، كل واحدة تخلص شغل بيتها الصبح بدري وتذهب للأرض لجمع المحصول ومن ثم بيعه لجلب المال ومساعدة الزوج، وبعد العصر ننزل الأرض وننضفها».

1

انشغالهن في العمل وحرص كل واحدة على أن تسرع في أداء عملها وتجمع أكبر قدر من الزرع لكي تزيد انتاجها، جعلني أنهي الحديث وأتركهم لمواصلة عملهم، لتغرب شمس تلك النبتة الطبيعية التي لم تكتشف بعد، لتشرق من جديد مع بداية كل صباح وبدء يوم وطقوس ثابته ضاربين أعظم الأمثلة في الصبر والرضا.

ليس من المعقول أن هؤلاء السيدات لا يحملن عقد عمل ولا يتمتعن بتأمين اجتماعى أو صحى، ولا ينتمين لنقابة تحميهن وقت الشدة، بل معيشتهم تعتمد على عمل كل منهما لمساعدة أسرهم.

 

زر الذهاب إلى الأعلى