أعمدة

أحمد المسلماني | يكتب : حين دعا الإمام فى خطبة الجمعة للرئيس أوباما!

احمد-المسلماني

فى عام 2008.. كان خطاب الرئيس أوباما فى جامعة القاهرة، وبعده.. جاءت خطبة الجمعة فى أحد المساجد الكبرى بالقاهرة، ليفاجئ الخطيب المصلين.. بالدعاء للرئيس الأمريكى!

ولما سُئِل خطيب المسجد: لماذا تدعو لرئيس أجنبى غير مسلم فى خطبة الجمعة؟.. قال الخطيب: إن الإسلام لا ينهى عن ذلك، وقد دعا المسلمون للنجاشى ملك الحبشة، ولم يكن مسلمًا.. وإن الرئيس أوباما يعمل لصالح الإسلام.. وينوى الخير للمسلمين!

(1) كنتُ واحدًا ممن حضروا خطاب الرئيس أوباما فى جامعة القاهرة.. بعد أن تلقيتُ دعوةً من الرئاسة المصرية للحضور. وهناك قابلتُ نوّاب جماعة الإخوان المسلمين الذين حضروا الخطاب.. وقابلتُ آخرين. أعترف أننى أخطأتُ فى التقدير.. كما أخطأ آخرون. فلقد اعتقدتُ- كما اعتقد غيرى- أن الرئيس أوباما جاء ليفتح صفحة جديدة بين الإسلام والغرب.

إن ما جرى بعد ذلك.. كان فى الاتجاه المعاكس تمامًا. ما حدث هو تأجيج الصراع بين الغرب والإسلام، وبين الإسلام والإسلام، أو على نحو ما ذكرتُ فى كتابى «الجهاد ضد الجهاد».. فإن ما جرى هو تأسيس معادلةٍ عالميةٍ بغيضةٍ: الإسلام ضدّ الإسلام، والإسلام ضدّ العالم!

(2) فى البلاد الجادّة.. تأتى السياسة بعد الثقافة.. أو يأتى السلوك بعد الفكر.. فى البدء يكون الكتاب.. ثم تأتى من بعد ذلك السياسة. ومن دون إطار فكرى.. من الصعب أن تتحرك السياسة.. ومن دون «نظرية سياسية».. ترتبك الأجهزة السيادية ووزارة الخارجية.. كما ترتبك كل مؤسسات الأمن القومى فى البلاد.

النظرية أولاً.. الفكرة أولاً.. ومن الفلسفة السياسية للدولة تنطلق.. منظومة القوانين والسياسات، ومن دون فلسفة سياسية قويّة وواضحة.. يصبح الأداء السياسى حشدًا من القرارات المضطربة، واليوميّات المرتبكة.

(3) لقد كان ذلك حادثًا وبارزًا فى الحالة الأمريكية تجاه الإسلام والمسلمين.. كان الفكر سابقًا للسياسة، وكان القصف المعرفى لحضارتنا وثقافتنا سابقًا للقصف العسكرى لبلداننا وديارنا.

ومن يتأمل كتابات «برنارد لويس» و«دانيال بايبس» و«صمويل هنتنجتون» و«ستيفن ايمرسون» وآخرين.. يرى كيف أن هؤلاء قد مثّلوا سلاح الجو الذى سبق مشاة الغزو والدم.

تحدّث «صمويل هنتنجتون» عن الصراع الحضارى مع الإسلام، وعن الخطر الأخضر الذى ورِثَ الخطر الأحمر، كما شرح «برنارد لويس» حالة الحقد النفسى لدى الأمة الإسلامية المهزومة.. على الحضارة المسيحية الغربية المنتصرة. وكتب «دانيال بايبس» عن الإسلام المسلّح الذى وصل إلى أمريكا.. وحذر «ستيفن ايمرسون» من «الإرهابيين الذين يعيشون بيننا».. ووصف المسلمين بأنهم أعداء مقيمون فى أمريكا.. ينتظرون فرصة الانقضاض عليها!

(4) لم يكن «هنرى كيسنجر» بعيدًا عن تأسيس معادلة «الإسلام ضد العالم».. حيث أعلن أكثر من مرة أن العدو الجديد للغرب هو الإسلام، وأن جبهة الحرب القادمة ستكون فى مواجهة الإسلام.. وبدوره.. حصر «ويلى كلايس»، أمين عام حلف شمال الأطلسى «الناتو»، مصادر تهديد الأمن القومى فى الإسلام.. وقال: إن الإسلام هو أعظم خطرٍ على الأطلسى.

وأما صحيفة «يديعوت أحرونوت» الإسرائيلية فقد ذهبتْ إلى أبعد وحذّرت من انتصار الإسلام الساحق على الغرب.. وقالت: إن أمريكا ستركع أمام الإسلام كما ركعتْ أوروبا!

(5) لم يكن شىء من هذا صحيحًا.. ولكن جرى دعم المتشددين الإسلاميين.. ليبدو الحال وكأنهم حقًا تهديدٌ لحضارة الغرب. تمّت صناعة العدو المناسب واللائق.. وجرى دعمه بالمال والإعلام.. ليكون أكثر إقناعًا بأنّه يمثّل خطرًا على العالم وعلى الحضارة الحديثة.

لم يكن الأمر صحيحًا بأى حال.. إن الحضارة التى بدأت تتهدّم من قبل هؤلاء المتشددين هى الحضارة العربية الإسلامية. جرت محاولات هدمها على مستوى المبنى والمعنى.. وعلى امتداد وجودها.. من «تدمر» إلى «تمبكتو».. من المشرق العربى إلى المغرب الأفريقى.

لقد حدثت استثناءات فى ذلك المنهج المُخيف.. من تفجيرات لندن ومدريد إلى أحداث باريس.. وهى كلها استثناءات مُشينة ومؤسفة. لكن كمّ الدماء الذى أريق فى العالم الإسلامى، وحجم الدمار الذى لحق بجهاته الأربع.. لا يقارن بما جرى خارجه.. حتى لقد باتَ المسلمون وكأنهم يعيشون فى سرادق عزاء مفتوح.. تمتدُّ الأيدى لتصافح دون أن تدرى عمّن تأخذ العزاء.. وعمّن تنعى وتواسِى هذا المساء!

(6) يحتاج العالم الإسلامى إلى «نظرية سياسية».. إلى «الفكرة» قبل «الحركة».. وإلى «الفلسفة» قبل «القانون».. و«الحداثة» قبل «السياسة».. إلى العقل الذى يواجه العقل.. والمؤامرة التى تهزم المؤامرة.

فى المعارك الكبرى.. الأغبياء والعملاء سواء.

حفظ الله الجيش.. حفظ الله مصر

المصدر

 

زر الذهاب إلى الأعلى