أعمدة

خالد منتصر | يكتب : أى الخدعتين أخطر يا صاحب الصحيح؟

29_خالد-منتصر

لكى تكون عالماً لابد أن تقبل بشروط وأدوات ومنهج العلم، لا يكفى أن يكون عرف فى المجتمع أو اتفاق ضمنى بين أفراده على أنك عالم فتصبح عالماً جليلاً، إذا طلبت منى يا عالم الأزهر أن يتعامل معك المجتمع كعالم، فلابد أولاً أن تثبت لى أنك تطبق مناهج البحث العلمى الحديثة، وليس مناهج الاستنباط القديمة من شرح الشروح وحواشى الحواشى.

سأعرض على عالم الأزهر الجليل مثالاً على منهج العالم المتسائل الذى لا تفزعه كثيراً المحظورات ولا تمنعه الخطوط الحمراء من طرح علامات استفهامه، ولا يقتنع بكلام من قبيل «هذا طيب مايعملش كده ولا يمكن يكذب».. إلخ، إنه يحقق ويدقق ويحلل وينتقد، هذه هى وظيفة العالم الحقيقى، فالبخارى وجهده ومثابرته وحماسه وإخلاصه على عينى ورأسى، وأحترمه وأقدره، ولكنى لا أقدسه فهو فى النهاية بشر، وكذلك ابن عباس، حبر الأمة، رضى الله عنه، له كل الإجلال والاحترام للقرابة من النبى وأيضاً لتقريبه منهج النبى إلينا، ولكن العلم الدقيق لا يمتلك تلك العواطف المنحازة، بل لديه برود أكاديمى هو السبب فى تقدمه، سأطرح عليكم حادثتين أو قصتين من باب التساؤل والعصف الذهنى واستخدام العلم.. القصة الأولى الشهيرة التى يدلل بها علماء الحديث على دقة البخارى الذى ذهب مسافراً إلى شيخ ليسمع منه ويروى عنه حديثاً، فدخل المدينة التى فيها هذا الشيخ وكان لا يعرفه، فلما دخل فى أحد شوارعها وجد رجلاً قد هرب منه فرسه وهو يريد أن تلحق به الفرس، ووجد أن هذا الرجل قد رفع ثوبه كأنه يحمل فى حجره طعامًا، فرأى الفرس تلحق به، فلما وصل إلى بيته أمسك بالفرس وفتح حجره وإذا به خالياً، رفض الإمام البخارى أن يروى عن هذا الشيخ، وقال: إذا كان الرجل يكذب على بهيمته فأخشى أن يكذب على رسول الله.

إذن رفض البخارى هذا النوع من الخداع، ولكن هناك خداعاً من نوع آخر قبله البخارى وغض الطرف عنه وهو ما فعله ابن عباس حين كان مسؤولاً عن بيت مال البصرة، وانتقده فيه بأقسى الألفاظ على بن أبى طالب بل اتهمه صراحة، القصة باختصار أن أبا الأسود الدؤلى أرسل رسالة لعلى بن أبى طالب يقول فيها إن ابن عباس «أكل ما تحت يده بغير علمك»، تبادل على وابن عباس الرسائل التى من الممكن أن تقرأها فى كتب التاريخ، ومنها الطبرى الذى يلخص النتيجة، فيقول عن ابن عباس بعد الاستقالة «لقد جمع ما تبقى من أموال فى بيت المال، وقدره نحو ستة ملايين درهم، ودعا إليه من كان فى البصرة من أخواله من بنى هلال. وطلب منهم أن يجيروه حتى يبلغ مأمنه ففعلوا.. ومضى ابن عباس بالمال.. حتى بلغ البيت الحرام فى مكة فاستأمن بها، وأوسع على نفسه، واشترى ثلاثة جوار مولدات حور بثلاثة آلاف دينار»!!، ويكفى أن تقرأ إحدى رسائل علىّ حتى تعرف درجة الخلاف ومدى صدمته فى ابن عمه، يقول على «إنى كنت أشركتك فى أمانتى. ولم يكن من أهل بيتى رجل أوثق منك فى نفسى لمواساتى ومؤازرتى، فلما رأيت الزمان على ابن عمك قد كلب. والعدو عليه قد حرب. قلبت له ظهر المجن. ففارقته مع القوم المفارقين، وخذلته أسوأ خذلان الخاذلين، وخنته مع الخائنين. فلا ابن عمك آسيت، ولا الأمانة أديت.. كأنك لم تكن الله تريد بجهادك، وكأنك كنت تكيد أمة محمد عن دينهم، وانتهزت الفرصة واختطفت ما قدرت عليه من أموالهم اختطاف الذئب الأزل دامية المعز الهزيلة، فحملت أموالهم إلى الحجاز رحيب الصدر غير متأثم، سبحان الله!.. أما تعلم أنك تأكل حراما وتشرب حراما؟.. إلخ»!، كانت نهاية القصة هى رد ابن عباس بأنه يستحق هذا المال وأكثر منه، ثم كانت الرسالة الأخيرة الصادمة «لئن لم تدعنى من أساطيرك لأحملن هذا المال إلى معاوية يقاتلك به»!!.

أليس من حقى الشرعى والإنسانى والمنطقى أن أسأل الإمام البخارى: أى الخدعتين أبشع وأخطر وأدعى إلى المزيد من المراجعة والتشكك فى أعمدة المنهج نفسه.. خدعة رجل مع بهيمة أم خدعة وزير مالية مؤتمن على بيت مال مع شعبه ورئيسه وخليفته؟!

المصدر

 

زر الذهاب إلى الأعلى