مقالات

دينا الصاوي | تكتب : أنت مُحاصر

13230060_1320197647995942_1322001223616346283_n

 

ماذا تفعل عندما تشعر بأنك مُحاصر؟ هل تحاول الهروب أم تصمد؟ وعندما تكتشف أن هناك شيئاً ما يصيبك بحالة من البهجة والدهشة عندما تراه، وأن هناك من يحاول أن يسلبك إياه، كيف يكون رد فعلك تجاهه؟ .. هل لديك الاستعداد للمشاركة بكل جرأة بآرائك وأفكارك داخل ساحة للمنافسة الشرسة؟ بماذا تنصح من أهمل الإبداع والمبدعين ولم يكلف نفسه عناء البحث عنهم؟

يسعى المعلن بالتليفزيون إلى الترويج لمنتجه أو فكرته بشتى الطرق الممكنة، ليواجه المنافسة الشرسة من قبل المعلنين المنافسين، وفي هذه الحالة قد يلجأ لما هو مشروع أو غير مشروع بالنسبة للجمهور المستهدف (كأن يروج لمزايا غير متوفرة بالمنتج)، ولكن إذا كان الإعلان ضروري ويخدم كلا من المعلن والمشاهد، فإنه على المعلن أن ينتبه جيداً إلى التكلفة الرهيبة التي سيتكبدها في سبيل تنفيذ إعلانه وإذاعته بإحدى القنوات الفضائية، وعليه أن ينتبه أكثر إلى أن:

الإعلان + الإبداع = ترويج ناجح للمنتج

الإعلان – الإبداع = تكلفة ملهاش لازمة

وللأسف معظم إعلانات التليفزيون أصبحت «ملهاش لازمة»، وتتسم بطابعي «الاستفزاز» و «الرجعية»، فما الجدوى من مشاهدة إعلانات تركز على الضوضاء والأغاني الشعبية وظهور العفاريت بشكل لا يرتبط بمزايا المنتج ولا يعبر عنها؟! لما أصبحت معظم الإعلانات تركز على السب واستخدام الألفاظ السوقية؟! لما الإصرار على إظهار المرأة بالإعلانات كسلعة تروج لسلعة؟ ما الهدف من وراء تقديم إعلانات تركز دائما على وجود صراع بين الآباء والأبناء، يظهر فيها الأبناء وهم يتحدثون مع أو عن آبائهم بشكل سئ؟! إن لم يكن هدفك نشر قيمة إيجابية فعلى الأقل لا تنشر وتروج لأفكار سلبية هدامة وأنت تروج لإحدى السلع أو الخدمات.

وها نحن على أعتاب شهر رمضان الكريم الذي يُعد «موسم» بالنسبة للمعلنين، إذ نشاهد نحن الجمهور الإعلانات بشكل يفوق ما نشاهده من مضامين درامية أو مواد برامجية، والمشاهدة هنا للإعلانات تتم بـ «العافية»؛ فأنت مجبر أن تنتظر إنتهاء الفواصل الإعلانية، التي قد تصل مدة الواحد منها إلى أكثر من ربع ساعة أحياناً؛ لاستكمال مشاهدة حلقة المسلسل أو البرنامج الذي تقوم بمتابعته، وإذا فكرت في أن تترك التليفزيون وتتجه للإنترنت لمشاهدة الحلقة بعد رفعها على أحد المواقع كاليوتيوب، فلا تعتقد أنك بذلك تكون قد نفدت من الإعلانات – «أنت محاصر» – نعم محاصر عزيزي القارئ بإعلانات على الإنترنت لم يعد بإمكانك أن تتخطاها كالسابق، بل أصبحت مجبر على مشاهدتها لاستكمال الحلقة، تماماً كما هو الحال بالتليفزيون، والإعلان هنا طويل وممل – صحيح أن عدد الإعلانات على الإنترنت لا يقارن بعددها على التليفزيون – ولكن فكرة الحصار في حد ذاتها تسبب حالة من الضيق والسأم للمتفرج.

لا يمكننا أن ننكر أن من حق المعلن أن يروج لمنتجه، وأن يصل به لأكبر عدد ممكن من الجمهور المستهدف، وأنه من مصلحتنا نحن كمواطنين أن يتم الإعلان لنا عن السلع والخدمات المتوفرة بالسوق، ولكن على كل معلن أن يحسن اختيار الشركة والوكالة الإعلانية التي سيوكل لها مهمة الإعلان عن منتجه أو فكرته، قبل أن تذهب نفقاته هباءً؛ فبعد أن كانت إعلانات شركات المياه الغازية، المسليات، المقرمشات والاتصالات – على وجه التحديد – تتسم بالابتكارية والتميز، أصبحت إعلانات هذه الشركات من أسوأ الإعلانات المذاعة بالتليفزيون .. ليس هذا فقط بل أصبحت السمة السائدة بمعظم إعلانات التليفزيون هي «الملل».. وعلى شركات الإعلان نفسها أن تبحث عن المبدعين والمبتكرين، الذين من شأنهم أن يفاجئونا بإعلانات تستحق المشاهدة، تؤدي هدفها دون أن تصيب المشاهد بالضيق والسأم.

ومن المهم أن يبتعد المعلن عن الاهتمام المبالغ فيه بالتواجد بداعي أو بدون داعي داخل “الماراثون الإعلاني الرمضاني”، وأن يلجأ لعمل دراسات تمكنه من التعرف على الرغبات الحقيقية للجمهور المستهدف .. ولتبحث شركات الإعلانات عن هؤلاء الذين كسروا الصندوق بأفكارهم وأعمالهم؛ فقد نجحت شركة كوكاكولا – على سبيل المثال – العام الماضي في كسب “بونط” جديد لدى عملائها عندما استجابت لاقتراح الشاب الشرقاوي “خالد فتحي”، الذي اقترح على الشركة – عبر مواقع التواصل الاجتماعي – بالتبرع بتكلفة الحملة الإعلانية الرمضانية لصالح الفقراء والمحتاجين، وقد استجابت الشركة للاقتراح واكتفت بتقديم إعلان تذكيري قصير يذكر الجمهور المستهدف بالعلامة التجارية فقط، ولم تقدم الشركة أي حملات إعلانية خلال رمضان الماضي؛ ما أثار إعجاب العديد من رواد مواقع التواصل الاجتماعي بالفكرة وصاحبها وكذلك بالشركة واستجابتها للفكرة.

فعندما يستجيب المعلن لرغبات الجمهور، وعندما تتلاشى شركات الإعلان ما يغضب و يستفز جمهورها، ينجح الإعلان وبالتالي ينجح المعلن، ولكن للأسف بعض شركات ووكالات الإعلان أصبحت تعمل بمعزل عن الجمهور وردود أفعاله الحقيقية، والدليل على ذلك أننا أصبحنا نشاهد منذ أكثر من عامين – خاصة في شهر رمضان – إعلانات تطالب المشاهد بالتبرع للمرضى وسكان العشوائيات وبعدها مباشرة إعلانات تحث المشاهد على ضرورة الإسراع لحجز أو شراء شاليه أو شقة داخل كومباوند أو منتجع سياحي جديد!!! .. منطق «هتدفع يعني هتدفع» و «البلد مفيهاش غير سكان العشوائيات والكومباوندز» و «التبرع هيتم بالشحتفة واستغلال المرضى والأطفال»، ما يدفع المشاهد لغلق التليفزيون أو تغيير القناة .. فلكي تنجح في تشجيع المشاهد على التبرع عليك أن تبتعد عن هذا الأسلوب المستفز الذي أصبح يأتي بنتائج عكسية، وأن تبحث كمعلن عمن يبتكر لك فكرة جديدة تدفع الجمهور للتبرع دون أن يشعر بأنك تستغله أو تصيبه بحالة من الاكتئاب.

ورغم أن الإعلانات في الثمانينيات والتسعينيات كانت بسيطة إلا أن العديد منها ترك بصمة إيجابية داخلنا، فمازلنا نتذكر عدد كبير من تلك الإعلانات ونردد كلماتها إلى الآن، ليس هذا فقط بل نبحث عنها على الإنترنت لنشاهدها ونستعيد ذكريات زمان .. والآن أصبح التطور التكنولوجي أكبر بكثير؛ وبالتالي لابد أن ينعكس هذا على الإعلانات بشكل يخدم المعلن ويفيد الجمهور وليس العكس .. كما يجب أن تراعي القنوات الفضائية مدة الفواصل الإعلانية بها، بحيث لا تتعدى على حق أي مشاهد في أن يتابع المضمون التليفزيوني بدون إزعاج، وأن تلتزم بنصوص حقوق المشاهد المنصوص عليها في الدساتير العالمية، حتى لا يشعر المشاهد بالحصار ممزوجاً بطول المدة، مضافاً إليه نكهة الملل، منقوصاً منه مراعاة الأخلاقيات وتقاليد المجتمع.

لذا لا تخبرني أن هناك مؤسسة أو شخصاً ما يعلن عن منتج أو فكرة، دعني أشاهد الإعلان بنفسي وأرى كيف روج هذا الإعلان للمنتج أو الفكرة، هل نجح الإعلان في جذب انتباهي؟ هل أثار الإعلان اهتمامي؟ هل أقنعني بضرورة شراء السلعة أو الاشتراك في الخدمة أو تبني الفكرة؟ هل ظل الإعلان راسخاً بذهني وارتبط بأشياء بسيطة كلما سمعتها أو رأيتها تذكرت المعلن عنه؟ والأهم من كل ذلك دعني أشاهد إعلانا يروج لمزايا حقيقية بالمنتج، فإذا صدمتني بمزايا غير متوفرة بالمنتج فقد فقدت ثقتي فيك كمعلن من البداية .. وإذا فشلت في تحقيق كل ما سبق، فعلى الأقل دعني أرى إعلاناً مسلياً يجعلني أشعر بحالة من البهجة أو الدهشة عند مشاهدته .. وإن كان لا مفر من فكرة “أنت محاصر” فأرجوك أضف إلى قاموسي وقاموسك هذه الكلمات : ” أ ن ت م ح ا ص ر ف ي ع ا ل م م ن ا ل إ ب د ا ع ف ي ا ل إ ع ل ا ن”.

  • الأراء المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الشرقية توداي ، بينما تعبر عن رأي الكاتب.

أحمد الدويري

كاتب صحفي منذ عام 2011 ، أكتب جميع أنواع قوالب الصحافة، تعلمت الكتابة بشكل جيد جدًا من خلال موقع الشرقية توداي الذي انضممت له منذ عام 2012 وحتى الآن
زر الذهاب إلى الأعلى