مقالات

سامح المصري | يكتب: بالغش أتجمعنا

12243087_1240532565962835_485262681289532645_n

بالحب أتجمعنا. والدنيا هتسمعنا. والليلة أول أعيادنا. آدي طريق أمجادنا. وادي السمر ولأدنا. وادي القاهرة وادي بلدنا، بهذه الكلمات افتتح الفنان «عمرو دياب» كأس الأمم الأفريقية عام 1990 باستاد القاهرة، وكانت هذه الأغنية على مدار السناوات الماضية، شعار للنصر، والحب ، والسعادة، وبعد مرور 25 عام يولد جيل جديد، فى مرحلة جديدة، يتخذ عنوان هذه الأغنية شعار له في امتحانات الثانوية العامة، ولكن بعد أن قام باستبدال كلمة الحب، بالغش ليكون الشعار الجديد «بالغش أتجمعنا» ، وذلك بعد أن تم تدشين صفحة عبر موقع التوصل الاجتماعي «فيس بوك » تحمل هذا العنون، لتكون منافس لصفحة «شاو مينج بيغشش ثانوية عامة» التي تقوم بتسريب الامتحانات.

تسريبات الامتحانات، أو دولة التسريبات كما يسميها البعض، في مثل هذا التوقيت من كل عام، حيث تحتل أخبار امتحانات المرحلة الثانوية، الصفحات الأولى من كافة المنابر الإعلامية، ورغم تلك الوعود التي تعد بها وزارة التربية والتعليم كل عام، من فرض احتياطات أمنية صارمة للحفاظ على سرية الامتحانات.. تتفوق صفحات الغش الإلكتروني التي يديرها أشخاص، على  وزارة التربية والتعليم ، بل تتفوق على دولة بأكملها، لتكون قبل ساعات من موعد الامتحانات ورقة الأسئلة متاحة للطلاب، ولكن الخدمة الجديدة التي تقدمها صفحة «بالغش أتجمعنا» هذا العام، هو تقديم أجوبة الامتحان، ليصبح هذا التطور نقلة نوعية تشهدها «دولة التسريبات» .

إن كان الغش في الأعوام الماضية عادة اعتاد عليها الطلاب في الامتحانات، لا بدَّ أن يكون لنا وقفة هذا العام، حيث أن النسبة الأكبر من الطلاب الذين يمتحنون اليوم، من أتباع الديانة الإسلامية، واليوم من المفترض أنهم  يمتحنون وهم صائمون، والغش تم تحريمه في جميع الديانات السماوية، حيث قال الله تعالي في كتابه الكريم «ويل للمطففين الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون» ، وفي حديث عن الرسول صلي الله علية وسلم يقول« من عشنا فليس منا» ، ويقول الله تعالى في الكتاب المقدس «موازينُ غش مكرهة الرب، والوزنُ الصحيحُ رضاهُ»  .

أما عن الجانب النفسي، والأثر الناجم على سلوك المجتمع والشخص الذي يعتاد على الغش منذ الصغر، يقول يقول الدكتور «محمد المهدي» أستاذ الطب النفسي بجامعة الأزهر.. أن الطالب حين يمارس الغش منذ صغره فإنما هو يتعلم هذا السلوك بكل تفاصيله، وفي كل عام يتفنن في وسائل جديدة للغش مما يكسبه مهارات «سيكوباتية» تتراكم معه مع الزمن حتى إذا كبر صار «سيكوباتيا» كبيرا يخدع الناس ويسطو على حقوقهم دون أن يتمكنوا من فضحه أو إيقافه عن ذلك لأنه يكون مسلحا بقدرات غير عادية اكتسبها على مدار السنين من خبرات الغش المدرسي والغش الحياتي، وربما يصل هذا الغشاش الذكي الطمّاع السيكوباتي المحترف إلى مناصب قيادية تمكنه من نشر قيمه ومفاهيمه على مستوى أوسع في المجتمع، وبهذا يهيء وجود قواعد أخلاقية فاسدة تحتمي بقشرة زائفة من الأخلاق الواهية يخدع بها الآخرين وخاصة «المرأة » وطبقًا للدراسات أن 25% من  الشخصيات السيكوباتية، في الغالب تكون نهايتها في السجن .

أما عن المجتمع الذي يتربى على الغش هو مجتمع سقطت فيه قيم كثيرة أهمها الصدق،  والعدالة،  واحترام،  العمل الجاد وجعله وسيلة للارتقاء في السلم العلمي والمهني والاجتماعي، وهو مجتمع أصبح ضميره العام معتلا فأصبح لا يستنكر مثل هذه الظواهر بل يراها أمورا بسيطة لا تستدعي القلق والاستنفار وأنها مجرد شقاوة طلاب لا تستدعي أكثر من التنبيه أو الزجر اللطيف في أصعب الأحوال، وهو مجتمع يقبل الرشوة، ويقبل الكذب، ويقبل تزوير الأوراق الرسمية، وتزوير الانتخابات وتلفيق القضايا، وتشويه سمعة الناس، وهو مجتمع لم يعد للمصلحين فيه صوت مسموع بل علا فيه الباطل وتوحّش وأصبح يفرض قيمه وموازينه بلا حرج أو خجل.. تخيل معي أن كانت شخصيتك بفضل الغش تحولت من شخصية سوية، إلى شخصية سيكوباتية، بفضل الغش في الامتحان !.

  • الأراء المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الشرقية توداي ، بينما تعبر عن رأي الكاتب.

سامح المصري

كاتب صحفي ومدون منذ عام 2000، بداية احتراف الصحافة كانت من خلال موقع الشرقية توداي الذي اعمل به منذ عام 2011، اكتب جميع أنواع القوالب الصحفية ولكن اتميز في كتابة مقالات الرأي
زر الذهاب إلى الأعلى