عبد الله إسماعيل | يكتب : كشف الأوراق
ها نحن أيها القرّاء الأعزّاء , المنتمون إلى شعبٍ ذي أصول عريقة و قديمة , في الرخاء ذي نزعة سديدة حكيمة , في النوائب ذي إرادة صلبة عظيمة , و حين البأس فتيٍّ شديد الشكيمة , ها نحن على أبواب الانتخابات الرئاسية , نعاود الكرة مرة بعد مرة , و نثبت للعالم كله أن المواطن المصري قادر على تحقيق حلمه بيده , فإن لم يستطع فبيد رئيس ينتخبه , فإن لم يحصل فبيد حكومة فرضتها عليه سنوات عجاف , فإن لم يكن فصابر على القليل راضٍ بما تُخرج الأرض من فولها و عدسها وبصلها .
أستطيع الآن أن أتقمّص شخصية هؤلاء الكُتّاب الذين يبرعون في تسخير الكلمات لخدمة مصالحهم التي تتماشى مع كل حاكم على أبواب قصر الرئاسة , بل مع كل تشكيل حكومي تفرضه طوارئ السياسة , بل أيضا مع كل وزير أو مدير أو حتى غفير أو أسطة , بل قل على كل لون يا باطسطة , ثم تراهم يدّعون الحيادية , نظرا لأن أقلامهم لا تكتب إلا بأريحية تامة هدفها الأول التعبير عن الرأي و عدم استنفاعهم المادي مما يكتبون ! و هم لا مهنة لديهم إلا الكتابة للجرائد و التلون مع السُّلطة ! بل و لهم أعمدة ثابتة أسبوعيا في صحف معروفة التوجه من مانشتاتها ! هم يُذكّرونني بشدة بالنكتة التي تسخر من أحدهم حينما دخل على البائع وسأله عن الجبنه فأنكر البائع وجودها و هي لديه في الداخل !
بعد هذه المقدمة السريعة و العنوان المحفّز , فأنا يا عزيزي القارئ أكتب بحرية تامة و من هواة الكتابة , و لا أتقاضى أجرا من الناشر , الذي ربما لا يعجبه كثيرا مما أكتب هو و كادر العمل الإعلامي من حوله , كيف لا و كلنا هذا البني آدم الخطّاء والأكثر شيء جدلا ؟ و لا يحول بين القائمين على النشر و بين ردعي عن مراسلتهم إلا الالتزام باحترام الفكر و حرية الرأي .
و بما أن توجّهي السياسي لا ينتمي لحزب ما , أو جماعة محظورة كثيرا , محظوظة قليلا , فبإمكاني أن أدعي الحيادية ؛ و لكن صدّقني أيها القارئ و بدون قسم , حياديتي لا تشبه التي يدّعيها بعض من انتقدت من الكُتّاب في مقدمتي . لذلك ابتسم و اطمئن أيها القارئ و أرح ظهرك على كرسيك و استكمل معي السطور المتبقية ؛
و الآن كما وعدت حان دور كشف الأوراق التي اطّلعتُ عليها بقراءة ما بين السطور في علم يسمى الأنثروبولوجيا , و لأنني خريج كلية من الكليات التي تقبل دارسي القسم الأدبي فلن أصعّب الفكرة على أحد لأن هذه العلوم التي أحترمها طالما مللت من دراستها بسبب شدّة تعقيدها قبل تخصصي الأدبي .
الأنثروبولوجيا أو علم الإنسان يهتم بشكل أساسي بعلم الجماعات البشرية و صفاتها و تطورها و مدى تكيّفها مع البيئة المحيطة بها , المفيد الذي أريد أن أختصر إليه و العيّنة الأساسية محل الدراسة هي المصريين , هذا المجتمع النهري الذي عاش أسلافه منذ آلاف السنين حول ضفاف النيل و ترك ما دونها من مساحات صحراوية أو سهلة أو مجاورة أو مترامية أو قابلة للزراعة أو غير قابلة للزراعة و ربط حياته بأسرها بالماء الذي وهبه اللهُ ليجري أسفل قدميه , من أهم صفات هذا المجتمع أنه يتجمّع حول الماء كمصدر للحياة , و حول الحاكم كمصدر للقوة , و أستطيع بسهولة أن أستشهد بما صنعه المصريون القدماء مع فرعون حينما تجرّأ و طلب منهم عبادته ! فما كان منهم إلا أن أطاعوه إلا قليل آمن بالله ربا و بموسى كحامل رسالة من عند الله في ذلك الزمان .
لندخل الآن على الحبكة في المقال : أثبتنا بالعِلم أننا كمصريين نتجمع حول الحاكم القوي كما نتجمع حول الماء لنضمن لأنفسنا البقاء على قيد الحياة , و لنجعل بإذن الله هذا البلد آمنا مطمئنا , و بعد إثبات ما لدينا من معطيات , و بعد أن أسسنا للتجربة الديمقراطية مرة أخرى و حققنا كامل معاييرها شكليا و أفرزنا اثنين من المرشحين الرئاسيين بشكل نهائي , الّذَيْن لا يكاد فرد من التسعين مليون مصري إلا و يعرفهما جيدا , لنرمز لكل منهما ( س : السيسي ) و ( ص : صباحي ) , و مع أن الواجب الوطني يدعو الجميع إلى النزول و اختيار مرشح عبر الصناديق و بحرية تامة , إلا أنني أدّعي مسبقا معرفة أن من سيحسم الانتخابات و بجدارة هو المرشح (س) و ليس المرشح (ص) , و لذلك فإن نزولي أنا و كل من أيّد رأيي و إعطاؤه الصوت لن يزيده , و كذلك إعطاء الآخر لن ينقصه , و هذه ليست دعوة للمقاطعة أو إحساس باليأس من المستقبل أو التشاؤم , لا , بل هي استدلال بأن الحكم العسكري مستمر منذ أكثر من ستين عام , و أن مرشّحهم القوي بل أقوى رجل في مصر حاليا هو من سيحمّله الشعب المسؤولية , هذا الشعب الذي دعم ثورة تدعو إلى العيش و الحرية و العدالة الاجتماعية , أحجم عن الاستمرار في هذه الثورة التي تبخر فيها العيش و تكثّفت فيها العدالة الاجتماعية من خلال آلاف المطالب الفئوية , و انصهرت فيها الحرية إلى ثأر جنوبي فيه قاتل و مقتول , نعم لقد لفظ الشعب ثورته و سمح بتعديل مسارها و لو أنه تحفّظ على القمع و المنع و لكن بينه و بين نفسه كأضعف الإيمان .
السيسي هو رئيس مصر القادم بغير إدعاء لعلم الغيب فلا يعلم الغيب في السماوات و الأرض إلا الله سبحانه وتعالى , و لكن هي أوراق مكشوفة و أرقام معروفة لا يجهل حسابها إلا من رفض التسليم بثبوت العِلم.
مقالات الرأي تعبر عن صاحبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الشرقية توداي
مقال ممتاز جدا