رأي

عبد الله اسماعيل | يكتب : التحرش أسبابه و علاجه

عبد الله إسماعيل

حوادث التحرّش العديدة و اليومية التي ينكشف ستر القليل و النادر جدا منها كما في حادثة التحرير على حين يقظة من كاميرا أو فيديو لا تحتاج إلى إدانة أو استنكار , و ذلك لأن الأنثى تجد الحماية و الألفة من ذُكُور الدواب و البهائم في عالم الحيوان بل ربما يلقى الذكر حتفه في سبيل الدفاع عنها ! فكيف لا تجد الحماية من ذكور البشر ؟

 

إن حوادث التحرش تحتاج إلى تعامل جاد يحرص على التصحيح , كما في الطب يحدد موضع المرض من الجسد و أسبابه ليعالجه , و ليس ليبتر الموضع المريض , فإن عَرف العلّة نجح في توفير العلاج الملائم .

التحرش فعل منحرف ينتج عن عدم فهم الشخص المتحرش لضوابط الحصول على إشباع لشهوة الفرج لديه , مثله مثل السارق – في الأسباب العادية – و الذي يأخذ مال غيره ليقتات عليه نتيجة عدم قدرته على توفير قُوْته , و يحدث ذلك غالبا بسبب شهوة البطن المؤدية إلى الجوع . فالمتحرش هنا مثل السارق , لأن كليهما حدث لديه قصور في إشباع شهوة غريزية لديه , و على المجتمع المساهمة في تثقيف و دعم النشئ بكل الوسائل الممكنة , و أقصد بالوسائل هنا طرق العلاج و سد هذه الإحتياجات و تمهيد الطرق المشروعة كتوفير فرص العمل لسد احتياجات الإنسان الأساسية من طعام و جنس و الوصول بالفرد إلى مرحلة تحقيق الذات .

 

وهناك أدوار مؤثرة بالإيجاب أو السلب يقدمها كل من المفكّرين و علماء الدين و الفنانين و الإعلاميين و رجال الأعمال تتعلق بالمرأة و دورها ولبسها و دائرة تعامل الرجال معها في المجتمع , و من ينجح منهم في تسويق فكرته الخاصة بالمرأة عبر كتاب أو منبر أو فيلم أو قناة تلفزيونية أو مصنع لملابس النساء فإنه يأخذ حيّزا في الثقافة العامة و القيم المجتمعية , و سنحاول أن نسلّط الضوء على هذه الأدوار منفردة أو مجتمعة ليعمل كلٌ على شاكلته و يحدد الفرد منا بانتقائية أي المناهج الأكثر فاعلية و تأثيرا لحل هذا السلوك المنحرف في الشباب .

 

العلماء و دورهم في وعظ الشباب و تذكيرهم بغض البصر و عدم اطلاق النظرة إلى المرأة الأجنبية , و تنبيه الفتيات بأن كسوتهن ستر لهن من أعين المتلصصين و المتربصين و كذلك بُعدهن عن الإثم الذي توعّدهن به الشرع إن خالفنه , و التحذير ثم التحذير من الإختلاط بين الفتيات و الأولاد في الأماكن العامة , فإن كان الرسول صلى الله عليه وسلم نبهنا على أن نفرّق بين الأخ و أخته في المضاجع من سن 7 إلى10 أعوام , فكيف نترك الفتيات لقمة سائغة في فم أولاد جياع قادهم طيشهم و صغر سنهم و ضعف وازع الدين و التربية لديهم ليلتفوا في حفلة تحرش جماعي حول أي فتاة تسير وحدها أو بمعيّة صديقاتها في كمائن مُرتّبة في الأعياد أو المناسبات ؟

واجهات الوسط الإعلامي و الفني , هؤلاء عناصر الترويج للرذيلة أو الفضيلة في المجتمع , بهن ينتج ما يسمى الموضة لدى الفتيات بالذات , و تعتبر كثير من الإعلاميات و أغلب الفنانات المستورِد الأول لواردات المجتمع الغربي من الفيزون و السكيني و الحمالة و القصير العاري أو الطويل الضيق , و هن أول من يظهرن بتسريحات الشعر اللافتة و الصبغات الصارخة , و الميك أب المبهر و يشبهن اللوحة الفنية التي يرسم عليها الماكيير و الكوافير بأدوات تجميل الوجه و الأظافر و حتى الساقين بلبس الأحذية ذات الكعب العالي , و لا تُدرك الفتاة الشرقية أن كل هذه الواردات الغربية هي في المقام الأول من أجل إغراء الشباب و الرجال .

 

آخر صيحة في ملابس الفتيات لا بد للمذيعة الشهيرة و الفنانة القديرة أن تقتنيها لتكون قدوة يتبعها الفتيات في اقتنائها , هؤلاء يصنعن ترويجا لسلعة شكليّة تقدمها فنانة مبتدئة أو شهيرة (موديل) لتتقمصها بدون إدراك الفتاة نتيجة إقبال كل نظيراتها على شراء هذا الزي المعين و الموضة الجديدة المحددة الألوان و الأطوال فتهبط الأذواق و تكتسح السوق هذه الملابس القادمة من مصانع محلية للملابس النسائية تتساير مع ما يسمى الموضة بغية تحقيق الربح .

 

و هنا ربما يتجه ظن كثير ممن يرى أن واردات الغرب من ملابس المرأة ليست بالضرورة هي سبب من أسباب حوادث التحرش و التعدي عليها , و الرد على ذلك يكون بمنطقية و بدون تعصب وتشدد و كل ذلك حرصا على الوصول إلى حل و علاج للمشكلة ؛أيها المنفتح على ثقافة الغرب في ملبس المرأة تحديدا –حتى لا نخرج عن مسار الموضوع- لن أعدد لك حوادث الاغتصاب و معدل جرائم الاعتداء على الإناث لدى الغرب فهي منتشرة لدينا ولدى دول العالم كافة , و لنوجّه دفّة النقاش بعيدا عن السلبيات التي سنخرج منها أنا وأنت برصيدٍ خالٍ إلا من الظن أن كلانا تحدث بكلمات أكثر ولذلك فهو من أثبت وجهة نظره و حُجّية رأيه , و لكن لا تنس مثلا أن هذه الثقافة تدفع النشئ في حفل التخرج من مدرسته على مواعدة فتاته التي يتودد لها ثم مراقصتها و وضع يديه أثناء الرقصة على أكثر الأماكن الحساسة في جسدها حتى يلتصق الجسدان اليافعان المتأججان بعواطف وطاقة و رغبة مكبوتة , و الحكمة في ذلك من وجهة نظرهم هي أن يتعود الفتى على لمس الأنثى بل و ربما تقبيلها و من ثم ضمان أن يتعايشا سويا بدون حدود فلا ممنوع لدى الشاب أو الفتاة ليصبح مرغوبا لديهما بعد التخرج من المدرسة .

كل تلك القيم التي لا تتناسب أبدا مع قيم المجتمع الشرقي المحافظ فإن التلفزيون و السينما يزرعانها في نفوس المشاهدين , و قل إني متحامل و متزمت إن شئت أيها المنفتح على ثقافة الأجنبي و المتناسي لثقافتك التي تحفظ المرأة حتى من النظر إليها والتي لخّصها رسولنا صلى الله عليه وسلم حينما أوصى علي رضي الله عنه بغض البصر : ( لا تتبع النظرة النظرة فإنما لك الأولى وليست لك الآخرة ) وقوله صلى الله عليه وسلم : ( يا معشرَ الشبابِ، مَن استطاع منكم الباءةَ فلْيَتَزَوَّجْ، ومَن لم يَسْتَطِعْ فعليه بالصومِ فإنه له وجاءٌ ) . و حتى الكنيسة الشرقية فإنها دائما ما تشجّع على الزواج و تؤكد على قدسيته كرابط وحيد يجمع الشاب بالفتاة في الحياة و حتى الموت .

فإن اتفقنا أن التربية و دور المدرسة و واردات السلع الاستهلاكية الخاصة بالمرأة تختلف في دول العالم الغربي عن عالمنا العربي المحافظ , فلماذا التمسك بوافد العادات الغربية و القيم المجتمعية التي لا تتماشى مع عاداتنا و ثقافتنا ؟ و الخطر في ذلك يعود على أفراد المجتمع بفجوة ثقافية و عدم توازن بين الدور الذي تحاول أن تقوم به الأسرة في تربية الأبناء و البنات , و بين الصورة التي يرسمها التلفزيون أو السينما للفتاة و الشاب و شكل العلاقة بينهما مما يصنع جيلا يعاني من ازدواج السلوك و الشخصية .

 

أخيرا فإن انتشار ثقافة العنف وممارسات الإجرام و البلطجة التي نتجت بسبب عوامل كثيرة أبرزها غياب دور الأسرة و المدرسة لدى العديد من الأطفال حتى سن 18 و عدم فاعلية القوانين الرادعة للأحداث بل و عجز مراكز الإصلاح و التهذيب عن تقويم سلوكياتهم السيئة تبذر داخل القاصر فعل المخالفة للشرع و القانون ليخرج منها أكثر جرأة على التحرش و السرقة و التخريب للممتلكات و الاعتداء بالجرح و الضرب بل ربما يصل إلى جرائم الإغتصاب و القتل , فيكبر و يشب على ذلك و تكبر معه و أمثاله مشاكل المجتمع و أزماته.

 

 

 

 

 

مقالات الراي تعبر عن صاحبها ولا تعبر بالضرورة عن الشرقية توداي

Eman Salem

كاتب صحفي ورئيس تحرير موقع الشرقية توداي
زر الذهاب إلى الأعلى